في كل مرة تقدم المملكة نموذجا حيا في سلامة ومتانة العملية السياسية والانتقال السلس للسلطة وفقا لنظام سياسي لم يختل توازنه منذ أن أرسى الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن أسس الملك في البلاد، خمسة ملوك تعاقبوا ومثلهم أيضا لولاية العهد ولم يشهد التاريخ تغييرا يخل بهذه العملية المنظمة التي يقطف الوطن والمواطن ثمارها اليانعة في كل وقت وحين، وكانت ثمار هذا الاستقرار واضحة المعالم تؤتي أكلها كل حين. الدولة السعودية التي أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود شهدت خمس بيعات بدأت بمبايعة الملك المؤسس ومن ثم أبنائه الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد وحتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله، ولم تشهد أي خلافات. هذا الاستقرار كما يرى الخبراء أسهم في نمو سريع لوطن كبير، حركة تعمير وإنشاءات وخدمات وبنى تحتية لا يمكن أن توصف، حتى أضحى الوطن بفضل هذا الاستقرار الكبير في السياسة إلى قبلة للمستثمرين والباحثين عن عائد أفضل لرؤوس أموالهم. الساعة الواحدة و النصف ظهرا، وبينما أبناء الوطن في أعمالهم منهمكون، فلا شيء يشغلهم في تلك اللحظة سوى العمل الجاد ومواصلة بناء المستقبل، فجأة يعلن الديوان الملكي وفاة ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز، نبأ نزل كالصاعقة على رؤوس الجميع، فولي العهد استقبل قبل أيام قليلة فقط مسؤولين ومواطنين في مقر إقامته في جنيف، وتبادل السعوديون الخبر على نطاق واسع، تبادل الجميع صغارا وكبارا نساء ورجالا التعازي في وفاة رجل دولة من طراز فريد، صارم وحازم حفظ أمن الوطن الداخلي وسهر عليه على مدى عقود أربعة. الحياة لم تتوقف، والأعلام لم تنكس، الكل ورغم هول الفاجعة وعظم المصاب في فقد رجل دولة فريد منشغل إلى جانب عمله وحياته بالدعاء للفقيد بالرحمة وجنات النعيم، هذا الهدوء والتماسك رغم هول المصاب يعكس حقيقة أن المواطن مطمئن تماما أن هذا الوطن يتكئ على قواعد راسخة في الأمن والاستقرار والمعيشة والرخاء والرفاه، الكل مطمئن أن هذه الدولة طوال عمرها لم تشهد تقلبات سياسية بل انتقالا سلسا للسلطة وبيعة في رقاب المواطنين لولي الأمر. هذا الاستقرار السياسي والأمني والمعيشي أدى إلى استقرار في حياة الوطن من أقصاه إلى أقصاه. وهنا يرى الخبراء والمختصون أن الأمن الذي قاده الأمير نايف طوال ما يقرب من أربعة عقود كان مشاركا أساسيا في هذا الاستقرار. ثمار الاستقرار الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة قال إن من أهم ثمار الاستقرار في هذا المملكة الإنسانية ثبات الانتقال السياسي وتداول السلطة بين القيادة الحكيمة، فضلا عن التوزيع العادل للخدمات على جميع مناطق المملكة الأمر الذي شكل استقرارا للإنسان والمكان في مختلف مجالات الحياة. وأضاف «حرص خادم الحرمين الشريفين ومن سبقوه من الملوك على إرساء ركائز الأمن ودعم كافة مناشط الحياة والانحياز الكامل للمواطن وتلبية احتياجاته والسهر على راحته، هو ما يلمسه القاصي والداني ويشعر به أبناء الوطن دونما استثناء والحمد لله، وهذه أسهمت في تحقيق استقرار على مختلف الجوانب السياسية، والأمنية، والأجتماعية وغيرها». وعن الأمير نايف رحمه الله يقول العقلا عرف عنه حلمه اللا محدود وحزمه في الوقت نفسه وكرمه وسخائه ومساعدة المحتاج وحبه لفعل الخير في شتى المجالات وبخاصة علاج المرضى خارج السعودية وداخلها على نفقته الخاصة، بالاضافة الى حرصه على دعم العلم وأهل العلم من الطلاب للدراسة وطلب العلم في المدارس والمعاهد والكليات والجامعات في داخل المملكة وخارجها على نفقة سموه، كما عرف عنه قربه من الناس واستماعه لهم بكل هدوء وتقبله الأمور بكل رحابة صدر وحكمة والتماسه لحاجة المواطن بشكل مستمر وفي كل وقت. وزاد «كان الامير نايف، رحمه الله، شخصية قيادية فذة متعددة الجوانب، أمضى سنوات طويلة في خدمة الوطن والمواطن، ومشهورا بحنكته السياسية والأمنية والإدارية بالاضافة الى التواضع، وسعة الاطلاع، كما انه كان يتمتع بنفوذ واسع على الصعيدين الداخلي والخارجي وله علاقات كبيرة في العالمين العربي والإسلامي والعالم اجمع». حلحلة الملفات المستعصية الدكتور سعيد الأفندي عميد كلية التربية والمشرف على كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية يرى أن الأمير نايف ورغم جسامة المهام وعظمها إلا أنها لم تشغله قط عن هموم مواطنيه، فعمل في أكثر من اتجاه لتحقيق الرفاه للمواطنين والنبش في صميم القضايا التي تستهدف وحدة الوطن وشبابه ومن ذلك إنشاؤه كرسي القيم الأخلاقية والهدف منه نشر القيم الأخلاقية وتعزيزها في المجتمع السعودي، وتعريف العالم من حولنا بقيمنا الإسلامية الرفيعة. يقول الأفندي: كان ولي العهد يؤمن تماما بالبحث العلمي ودوره في حلحلة الكثير من الأمور والقضايا ويرى في البحث العلمي أنجع السبل لحل مشاكل المجتمع السعودي. وخلص إلى القول: لمست من الأمير نايف يرحمه الله الحرص الكبير والكامل على دينه وشباب وطنه حيث كان لا يكتفي بالتوجيه بل يشرف ويتابع فضلا عن دوره في دعم الأعمال الإنسانية في شتى المجالات، وهذه الأمور أسهمت في استقرار الحياة وهدوئها وبالتالي تفرغ الناس للبناء في وطن أضحى من أكبر وأجمل الأوطان ولله الحمد. وبنفس القدر من الأهمية كان الأمير نايف بن عبدالعزيز يولي قضية الأمن الفكري حيزا كبيرا من اهتماماته حتى أصبح الأمن الفكري في واقعنا المعاصر أحد الركائز الأساسية لكيان الأمة، يقول رحمه الله في هذا الجانب «لم تعد المخاطر مجرد تنظير أو توقعات بل باتت حقيقة تستوجب مواجهتها والإلمام الواسع والدقيق بها ووضع الخطط والاستراتيجيات العلمية للتعامل معها والحد من آثارها وتأثيراتها الآنية والمستقبلية». وبين سموه أن المملكة كانت في مقدمة الدول التي تضررت من اختراق سياج الأمن الفكري لبعض أبنائها ممن وقعوا تحت تأثير الفكر الضال المخالف للفطرة السليمة ولتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، ما جعلهم وبكل أسف يقومون بأعمال التخريب والإفساد في الأرض من قتل وتفجير وتدمير للممتلكات وعدوان على الأنفس المعصومة وانتهاك لحرمات الدين ومصالح العباد. ومما قاله أيضا «إن التحديات التي تواجه الأمن الفكري للأمة عديدة ومتعددة الخطر والتأثير مما يجعل الجهد في سبيل مواجهتها يتجه إلى استخدام المنهج العلمي في دراسة واقع هذا الأمن وتقويمه في ضوء المعطيات العلمية التي تساعدنا على الوقوف على طبيعته وتحديد مقوماته الأساسية وحصر العوامل المؤثرة فيه وصولا إلى تحصينه من أي اختراق لا سمح الله وبذلك يمكن القول إن استخدام المنهج العلمي هو السبيل الأمثل لترسيخ مفهوم الأمن الفكري وتعزيز مقوماته ومواجهة المخاطر المحيطة به». سحق الإرهابيين الدكتور محمد بن عبدالله آل زلفة عضو مجلس الشورى السابق يرى أن جهد الأمير نايف بن عبدالعزيز كان واضحا في قمع الإرهاب والتصدي له وسحق فلوله، فقد كانت العمليات الإرهابية التي طالت مواقع مهمة في الوطن مهددا حقيقيا للاستقرار، فباشر ولي العهد رحمه الله هذا الملف شخصيا وأمسك به حتى سحق الإرهابيين وفلول تنظيم القاعدة وأجبرهم على الهرب فيما تم القبض على عدد غير قليل منهم، وعندها وبفضل من الله عاد الهدوء والأمن للوطن وتحقق الاستقرار الذي نجني ولله الحمد ثماره اليانعة الآن. وتطرق آل زلفة إلى الضربات الاستباقية، وبالتالي اختفاء الإرهاب بفضل المراقبة والمتابعة. الانحياز لأبناء الشهداء الدكتور محمد الجفري، نائب رئيس مجلس الشورى، يقول إن الأمير نايف ترك أثرا جليا في كافة مناحي الحياة، ففي شق مكافحة الإرهاب تعامل يرحمه الله مع هذا الملف الذي أرق مضاجع دول كثيرة، بكل حزم وشدة، وفي الوقت ذاته كان هناك بعد إنساني في مجابهة الإرهاب تمثل في تقديم يد العون إلى عائلات الإرهابيين، الأمر الذي ساهم في عودة معظم الإرهابيين إلى طريق الصواب والرشد، ما ساهم في تحويلهم إلى مواطنين عاديين يزاولون حياتهم بشكل طبيعي، دون أية عوائق. كما أشاد باستراتيجية الأمير نايف في القضاء على جذور الإرهاب من خلال الوقوف على البعد الإنساني والاجتماعي والبيئة الحياتية للشخص المدان بالإرهاب، لدراستها، منعا لتكرارها مع أشخاص آخرين. مجابهة الانحراف الفكري ويرى الأستاذ حمد القاضي، عضو مجلس الشورى السعودي أن الأمير نايف يرحمه الله كان صاحب عقل مستنير، وصاحب قامة سياسية كبيرة قل أن يكون لها مثيل، فقد تمتع بالهدوء واليقظة والحكمة وبعد النظر وقراءة مستقبل الأحداث. وزاد «للأمير نايف رحمه الله دور مركزي في اقتلاع جذور الإرهاب من أرض المملكة، ومعالجته الحثيثة للإرهاب ركزت على مجابهة الانحراف الفكري، لأنه النواة الحقيقة التي تساعد على بزوغ الأعمال الإرهابية ولذلك ركز على هذا الجانب». الدكتور محمد النجيمي يقول أيضا: رغبة في مزيد من الاستقرار للوطن نهجت وزارة الداخلية في تجربة المناصحة والرعاية للموقوفين منهجا يغلب عليه الجانب الإنساني والأبوي في التعامل مع المتطرفين أو المغرر بهم مستمدة منهجها من الشريعة الإسلامية الوسطية فكان النجاح الكبير والمشهود حليفها، وعندما تم تأسيس المركز صدرت التوجيهات الكريمة لجهات الاختصاص بوزارة الداخلية بتشكيل اللجان الشرعية من المشايخ وبمشاركة من العلماء الشرعيين والمستشارين النفسيين والاجتماعيين فتحقق أثر كبير في هذا الجانب.