الاقتصاد هو محصلة سلوك المجتمع تجاه موارده وبيئته وتنظيمه لعلاقات الإنتاج والاستهلاك، حيث تقوم فئة محدودة من أفراد المجتمع بإنتاج ما يستهلكه الجميع، ثم يتم توزيع ناتج النشاط الاقتصادي على فئات المجتمع، مقابل مشاركتهم بعناصر الإنتاج التي يملكونها لتتوفر لهم القدرة على الإنفاق. ويفترض أن يكون الفرد منهم كائنا عاقلا، أي يستخدم العقل في توجيه سلوكه الإنساني والاقتصادي ليكون سلوكا رشيدا عندما يتصرف كمنتج أو مستهلك. وتقتضي هذه الفرضية «بأن الإنسان يسعى إلى تحسين وضعه الاقتصادي، استنادا إلى أن كل فرد يعلم ويعرف تماما ما هي الموارد والإمكانات المتاحة له، وأنه قادر على قياس وتحديد التكاليف والمنافع نتيجة سلوكه. وكلما كان العقل يوجه القرارات الإنتاجية والاستهلاكية وفق قواعد الاقتصاد الرشيد، سينمو الاقتصاد ويقل اعتماد أفراده في تلبية احتياجاتهم على مصادر خارجية تتسم بالمخاطر أو ارتفاع التكلفة. أما ابتعاد القرارات عن المعرفة والحقائق كضوابط للعقلانية الرشيدة فستؤدي حتما إلى الإضرار بالهيكل الاقتصادي. كما أن إخفاء المعلومات (أو حتى إهمال توفيرها) أو التغرير بالعقول أو إيهام الأفراد أو المؤسسات بادعاءات أو أوهام سوف تفسد السلوك الاستهلاكي والإنتاجي. ومن أهم أمثلة الحوافز الخادعة منح الأفراد تسهيلات بنكية من خلال وسائل الدفع الائتمانية سواء بلاستيكية أو هاتفية أو إنترنتية، فيباشر الإنفاق تحت تأثير دخل وهمي يفوق الإمكانيات، أو منح الشركات تسهيلات بنكية وإعانات أوخفض مستوى المسؤولية القانونية تجاه تصرفاتها أي دعمها لتجنب تحمل كامل التكاليف التي تكبدها المجتمع نتيجة سوء السلوك (التنفيذ)، او الاعتقاد بأن قطاعا اقتصاديا وحيدا مهما كانت قوته الحالية قادر على مواجهة التحديات والاستجابة لتطلعات الجميع، دون مواجهة الحقائق الاقتصادية والإمكانيات الحقيقية للمستقبل. فالأب الذي يدلل أبناءه ويغدق عليهم بالأموال والخدمات دون أن يهتم بتعليمهم ليكون لهم صنعة لبوس لهم، لن يكون لهم المستقبل الزاهر المزعوم، وكذلك الاقتصاد الذي لا يهتم بتنويع مصادر دخله لن ينمو أو يزدهر. وكلما ارتبط مصدر وحجم الثروة المالية بقدر مساهمة صاحبها في الإنتاج الوطني، زادت درجة الوعي والرشاد في سلوكه الاستثماري او الاستهلاكي. فالفرد الذي تحقق دخله نتيجة مشاركته في الإنتاج بوقته وجهده ومهاراته يكون أكثر حرصا على الابتعاد عن أنواع الاستهلاك البذخي او التفاخري او المظهري والحرص على موارد وإمكانات المجتمع، مقارنة بأصحاب الثروات من مصادر لا علاقة لها بالنشاط الانتاجي (فكلما زاد تعب الفرد في الحصول على المال كان أكثر حرصا في إنفاقه). وكذلك يرتبط السلوك الإنتاجي بالرشاد والعقلانية وتهدف إلى تحقيق أعلى المستويات المتاحة من الرفاهية ليس فقط لأبناء الجيل الحاضر بل للأجيال المتعاقبة.