يتشكل سلوك الإنسان للحصول على السلع والخدمات سواء بالمقايضة أو بالشراء مقابل النقود وفقا لعلمه ومعرفته وخبرته، فالإنسان عقلاني في تصرفاته واتخاذه قراراته الشرائية، أي أنه ينفق دخله وأمواله حسب أولوياته واحتياجاته الأساسية في إطار عوامل نفسية واجتماعية وعاطفية. فيقارن الإنسان العادي المنافع التي ستعود عليه من سلعة أو خدمة مقابل ما يقدمه للحصول على هذه السلعة أو الخدمة. وهذه العملية الاقتصادية فطرية لا تتطلب علماً أو تدريباً، لكن مع التربية والتعليم واكتساب الخبرات تظهر مستويات مختلفة من أنواع الإنفاق الاستهلاكي تتجاوز هذا السلوك الفطري. فمثلاً هناك الإنفاق الاقتصادي والرشيد الذي يتطلب حساب المنافع التي تعود على الفرد نتيجة استهلاكه للسلعة أو الخدمة، ومقارنتها بحساب منفعة النقود، مع الأخذ في الاعتبار المنافع الأخرى التي قد تعود على الإنسان نتيجة استخدامه للنقود في بدائل أخرى. ثم هناك الإنفاق غير الرشيد عندما يصرف الفرد نقوده في سلع وخدمات كمالية دون ترتيب الأولويات والضروريات. بالإضافة إلى سوء حساب أو تقدير الدخل الحالي أو المتوقع. وأخيراً السلوك السفيه وهو الإنفاق المسرِف المبذر الذي يتم دون قيام الفرد بأي حساب، أو سوء تقدير قيمة النقود (أو إعطاء قيم منخفضة تماماً للنقود حتى لاتساوي في نظره قيمتها الحقيقية)، فينفقها بلاحساب، ودون النظر إلى ظروف الآخرين من حوله من المعدمين والمحتاجين. وكذلك إنفاق المال باعتباره إحدى وسائل التفاخر والتباهي والخيلاء، حيث ينظر الضعيف إلى المال على أنه وسيلة قوة، وينظر إليه الوضيع على أنه وسيلة رِفعة وسموّ، فيرتبط الإنفاق التفاخري بمشاعر النقص والشعور بالميل للتعويض وسعي الفرد لإيجاد قيمة لنفسه لتغطية نقصه وعيوبه. وتؤدي سيادة المظهرية وتوغل العادات والتقاليد الاجتماعية، في التأثير على اتجاهات السلوك الاستهلاكي وخروجها عن مسار السلوك الرشيد. فمن المعروف أن الفرد يطلب السلعة متأثرا باحتياجاته، ولكن هناك من يطلب السلع فقط لمجاراة سلوك الآخرين من حوله. مما يؤدي إلى توسع الفجوة بين متوسط دخل الفرد ومتوسط إنفاقه بصورة تضر بالاقتصاد وتدفع المواطنين بالتوجه إلى الاقتراض، وتضعف إقبالهم على الاستثمار ما يزيد نسبة الفقر والبطالة، بالإضافة إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية ونفسية تؤثر على تركيبة المجتمع المحلي. وفي الطرف النقيض تماما نجد البخل وهو منع الفرد الإنفاق من ماله، وكذلك الشح وهو بخل الرجل حتى على مال غيره، وأن يحرم نفسه ومن يعيل من أي شيء يكلفه أو يسبب إنفاقا. ولا تقل قرارات الاستهلاك أهمية عن قرارات الإنتاج، وكما أن هناك معايير مقننة وواضحة للجدوى الاقتصادية للإنتاج ، فهناك أيضا معايير للجدوى الاقتصادية للاستهلاك وأهمها الرشد والعقلانية الاقتصادية عند الاستهلاك، إلا أنها تميل لأن تكون شخصية أكثر منها موضوعية. فمثلا عند قيام أي فرد بمراجعة السلع والخدمات المختلفة التي اشتراها خلال فترة مضت، ومدى الحاجة الحقيقية لها، وهل المنفعة والمتعة التي استمدها الفرد من الشراء تعادل قيمة ما أنفق عليها من مال وأن هذه المنفعة استمرت لفتره معقولة قبل أن تتناقص إلى الصفر وتذهب إلى النفايات. وأخيرا المنفعة التي استمدها من كل سلعة. إجابات مثل هذه الأسئلة تحدد درجة رشد الإنفاق الاستهلاكي. ولاشك أن انتشار الرشد والعقلانية في الإنفاق فيه تسهيل وتخفيف عن أولئك الذين ليس لهم دخول تتناسب ومظاهر الإسراف، فيسود الاستقرارُ والقناعة والرضا. وأيضا فيه دفع للحسد والتباغض وحصن من فتنة المال، وغرور الإنسان، والكبر والتعالي على الآخرين، وتأصيل لمبدأ التكافل بين فئات المجتمع. ومن جانب الأثر على الاقتصاد فيكمن في أنه في حالة السلوك الرشيد والعقلاني سيتقلص الإنفاق الاستهلاكي لصالح حجم الاستثمار الذي يمثل جزءا من الإنفاق الكلي، حيث ينعكس ذلك على أرقام النمو وزيادة دخل الفرد، إضافة إلى زيادة إقبال الفرد على الاستثمار والحد من ظاهرتي الفقر والبطالة.