يستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقيقة أن عموم الروس مستعدون لمكابدة شظف العيش في سبيل أن يتحقق لبلادهم احترامها على الساحة الدولية، لكنه يدرك من جهة أخرى مقدار بعد روسيا عن فعل ما يعد به، وأن وراء كل مظاهر القوة التي يحاول إبداءها تتلظى عوامل ضعف بنيوية شديدة. و لعل القمة الروسية الأوروبية التي عقدت في سانت بترسبورغ وزيارات بوتين الخارجية الأخيرة إلى برلين و باريس وبكين تشير فيما تشير إليه إلى مدى الترهل الذي يعتري القوة الروسية. يواجه بوتين ثلاثة تحديات رئيسة في سياساته الخارجية، لها انعكاسات بالغة الشدة على الوضع الداخلي الروسي و هي: ضمان استمرار ارتباط أوروبا «طاقويا» بروسيا، الحصول على دعم غربي يسمح بدخول التكنولوجيا المتقدمة إلى روسيا بما يساعد على تحولها إلى بلد صناعي مزدهر، ويحل مشاكلها الاقتصادية المزمنة، و أخيرا، مواجهة التحديات الأمنية المتعاظمة و على أكثر من جبهة. خلال زيارته الأخيرة لألمانيا، طرح الرئيس الروسي على المستشارة إنجيلا ميركل إمكان قيام شراكة تقوم بموجبها ألمانيا بتزويد روسيا بالتكنولوجيا ونقل جزء من صناعتها الثقيلة إلى روسيا لتشغيل ملايين العاطلين عن العمل في مقابل ضمان تأمين معظم احتياجاتها من الطاقة. هذا العرض ينم عن حال ضعف شديدة. أما زيارته إلى الصين بعد قمة سانت بترسبورغ تنم هي الأخرى عن مدى الحاجة الروسية للدعم الصيني على أكثر من صعيد. هنا تبدو الأدوار و كأنها انقلبت حيث تبدو روسيا الشريك الأصغر في علاقة لم تكن كذلك أبدا أيام الاتحاد السوفييتي السابق. فقد تحولت الصين خلال السنوات الأخيرة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم و ثاني أكبر مستهلك للطاقة. كما تمكنت من إزاحة ألمانيا كأكبر مصدر للبضائع المصنعة في العالم.لا ننسى فوق كل ذلك أن روسيا لم تستطع رغم كل الجهود التي بذلتها إقناع الأمريكيين بوقف نشر درعهم الصاروخية على تخومها الغربية و الجنوبية الغربية، فعن أي قوة روسية يتحدثون، و عن أي صعود ينظر المنظرون.