في عالم الإبداع لا وجود للعقل، ما يعني أنه لا إبداع بدون حرية، وعقل الشيء هنا يعني في الأصل ربطه، والربط ضد الحرية، وبالتالي فإن العقل لا يبدع؛ لأنه لا ينشد الحرية، ومن غير المنطقي أن يبقى اسم العقل عقلا وهو متحرر! لأن صفة الربط «العقل» تنتفي بصفة الانفكاك «الحرية». إن من يعشق الحرية ويموت في سبيلها هي «الذات»، والإبداع هو لحظة تحرر تنعتق فيها «الذات» من قيدها «العقل»، ما يعني أن تحرر«الذات» هو تفكيرها، وتفكيرها يعني وجودها (أنا أفكر إذا أنا موجود)، ووجودها يعني الإبداع، وهذا الإبداع هو سيطرتها على كامل الجسد ونفي عبوديتها من سلطة القيد «العقل». صحيح قد تكون متهورة بتفكيرها في التجربة الأولى وهذا طبيعي. فمن كان سجينا ولا خلاص من سجنه إلا بموته، وبلحظة ما ينتهز هروبه من قيد سجانه، ومثل هذه الحالة تجده يهرب في كل الاتجاهات بما لديه من طاقة، ويفكر في أي شيء، ويرغب في أن يرى كل شيء، خصوصا إذا كان يعلم بأن سجانه قابض عليه لا محالة «العقل»! كل هذا أمر طبيعي، ولكن: إذا ما علم هذا السجين بأنه لا رجعة إلى قيده ولا سلطة عليه بعد هروبه، فإنه سرعان ما يهدأ ويتروى ويسير في الأرض هونا متأملا متفكرا في كل ما يدور، ولأن الذات عالم بحد ذاتها (تدعي أنك جرم صغير وفيك العالم الأكبر انطوى)، ولأنها أيضا من عالم روحاني نوراني إذا ما استأنست بوجودها وعلمت حريتها وأدركت أن لا سلطة لأحد عليها، حتما ستبهر هذا الوجود بما تقدمه من إبداعات، ذلك أن أول إبداعاتها هو فضح العقل وكشف حقيقة وجوده الذي ليس في مصلحتها ولا في خدمتها، وإنما في مصلحة الجسد وخدمته .. (تأملوا ذلك)!. السؤال: هل نحرر الذات من العقل لكي نبدع؟!