جار الله الحميد. يكتب القصة القصيرة والقصيدة والمقال، ويرسم اللوحة أحيانا بالمرسام. كاتب غير تقليدي. بل هو أحد رواد القصة القصيرة الحداثية في المملكة. نحت طويلا في محرابها الجميل بلا آباء حقيقيين محليا، مع جيل من المبدعين أمثال: فهد الخليوي وعبدالعزيز مشري وعبدالله باخشوين والسالمي ومحمد علون وحسين علي حسين.. الخ. له أسلوبه الخاص ولغته الشعرية الجميلة القلقة والموحية. كانت أول إصدارته مجموعة (أحزان عشبة برية) والتي كانت بحق إحدى العلامات الفارقة في فن القصة القصيرة السعودية، من حيث تاريخ الإصدار (1980) أو إضافتها النوعية للمنجز القصصي.. ثم تتابعت أعماله القصصية: (وجوه كثيرة أولها مريم) 1984، (رائحة المدن) 1997، (ظلال رجال هاربين) 1998، وغيره من الأعمال غير المنشورة حبيسة الأدراج والمنتديات والصحف والضياع.. وقبل عامين أصدر أدبي حائل الأعمال الكاملة لجار الله مما أتاح للبعض قراءة تجربة هذا المبدع الكبير. ولكن تبقى تجربته الشعرية غير مطبوعة أغلب نصوصها نشرت في مجلة اليمامة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات الميلادية وهي الأخرى لا تقل أهمية عن تجربته القصصية. ** تعرفت على الفنان جارالله الحميد المزاجي المختلف، في بداية الثمانينيات الميلادية، وكان يعاني من بعض الظروف الاقتصادية والعملية، وكان وقتها يسكن مع زوجته في بيت خالته الصغير في حي المطار القديم بحائل. بلا سيارة. وكان في قمة توهجه الكتابي والإبداعي، كان يكتب في اليمامة والرياض واقرأ وعكاظ. يحب الأصدقاء، فتجده يرحل إليهم في جدة والرياض والشرقية، وهم في المقابل يبحثون عنه. كما كان يحب الشام ومصر، ويجلب الكتب من هنا وهناك. وضيفا دائما لكثير من الأمسيات في الوطن. له ذائقته الخاصة في انتقاء وقراءة الأعمال الإبداعية، تلك الكتب لفنانين ملتزمين. يحب غالب هلسا وأمل دنقل وعبدالله نور وإدوار الخراط ورامبو وآخرين. في السنوات الأخيرة، عانى ويعاني من بعض الظروف المرضية القاهرة، ومع هذا لم يتوقف عن جنون الكتابة والخروج عن النص. ** فنان حقيقي. صادق. يرى بأن وظيفة الكاتب كقنديل الظلام. يمتح من ذاته والأشياء التي خبرها. الكتابة تعني له المتعة والمسؤولية والحياة والوجود.. في قصته لا تجد ذلك السرد التقليدي الرتيب أو الحكاية الرئيسية. قصته لا تصلح كحكاية مسلية لشخص يبحث عن النوم اللذيذ. هناك أكثر من حدث في القصة الواحدة، أو ما يمكن تسميته بقصة اللا حكاية، بل هي عبارة عن تداعيات، ولكن لا تتخلى عن بهاء اللغة والشعر الجميل والرؤى الإنسانية غير المهادنة، خاصة في قصته (وفي الصباح) التي لا تقل قامة عن قصص أمريكا اللاتينية ذات الواقعية السحرية. ** وحين أقرأ هذا المقطع في قصته (وفي الصباح): «في الصباح أعانقهم. في الصباح المبكر جدا ألقاهم فاردا ذراعي كشجرة. يكونون على مقربة من البكاء. وأكون على مقربة من الله. وتأخذني سورة من الحزن الأبيض. فأبكي متذكرا أبي و بعض أصدقائي. ليس النهار واضحا (كما تتخيلون) وليس من وطن له صفاء الضحى المشمس. وكان المستشفى مغتربا. لكراسيه بياض العدم. ولممراته هدوء السجون». أقول: إنه الشعر الصافي المنهمر في أجمل تجليات القصة القصيدة التي كتبت وكتبها جارالله الحميد! [email protected]