من وجوه الحاجة لاستعادة الاهتمام وتجديد المعرفة بعلم الجمال في المجال العربي المعاصر، ذلك الوجه الذي يتصل بالواقع الكئيب الذي يمر به العرب والمسلمون في مجتمعاتهم المعاصرة، فالإنسان في هذه المجتمعات يعيش في بيئات تبعث في نفسه الكآبة التي تحيط به من كل جانب، وتظل تصاحبه وتلاحقه من الصغر إلى الكبر، وأين ما ذهب، وحيثما ولى شطره، فالكآبة تلاحق الإنسان في المدرسة والجامعة، وفي الشارع والسوق، وفي مكان العمل، وفي القرية والمدينة. بمعنى أن الإنسان في مجتمعاتنا العربية لا يتزود ولا يتذوق الحس الجمالي من البيئات العامة المحيطة به، ولا يتلمس الجمال والقيم الجمالية المفقودة أو المغيبة في هذه البيئات، ولا يتبادل الثقافة الجمالية في حياته العامة مع الناس، ولا يتعرض للنقد الجمالي من الآخرين، فنحن نكاد في بيئاتنا ومجتمعاتنا نفقد الجمال والحس الجمالي بصوره وأنماطه وتجلياته كافة. في المقابل يذكر الدكتور محمد عمارة في كتابه (معالم المنهج الإسلامي) الصادر سنة 1991م، أن الشيخ محمد عبده (1266 1323ه / 1849 1905م)، عرض لقضية دور الفنون التشكيلية في حياة الأمة أثناء سياحته في جزيرة صقلية الإيطالية سنة 1903م، التي زار فيها المتاحف والمقابر ومواطن الآثار التي تحفظ وتحكي بالصور آثار الغابرين، وكان يرسل إلى مجلة المنار فصولا يحكي فيها مشاهدات رحلته، وفي هذه الفصول كتب عن هذه الفنون، وعرض لرأي الإسلام في الصور والتصوير والرسم وصناعة التماثيل، وكان في رأيه أن حفظ الآثار هو حفظ للعلم والحقيقة، وشكر لصاحب الصنعة على الإبداع فيها. لا شك أن هذا الموقف يستدعي المساءلة، ويلفت النظر إلى تلك الفروقات الجمالية ما بين صورة المدينة في البلاد العربية، وصورة المدينة في البلاد الأوروبية، الفروقات التي جعلت الشيخ محمد عبده يتنبه إلى الفنون الجميلة وجماليات الفن، ليس في المدينة العربية التي ينتسب إليها، وإنما في مدينة أخرى تنتمي إلى خارج ثقافته ودينه وتاريخه. حصل هذا الموقف في مطلع القرن العشرين، أما اليوم ومع نهاية ذلك القرن، وبعد الولوج إلى القرن الحادي والعشرين، فإن صورة المدينة العربية أصبحت أكثر كآبة، فمن الذي يسير اليوم في طرق وشوارع القاهرة أو دمشق أو بغداد وهي من أقدم مدن العالم، ويتذوق فيها الجمال وجماليات الفن.. لقد انقلبت الصورة، ولم تعد المدينة العربية بذلك الجمال والجماليات التي كانت عليه من قبل، وأصبحت مدينة يمكن وصفها بأنها باتت بلا لون ولا طعم ولا رائحة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 113 مسافة ثم الرسالة