معركة لودر تضع أمام كل مراقب سياسي أو عسكري سيلا من الأسئلة، من أبرزها: كيفية وأسباب تضخم القاعدة وتمددها في مناطق الجنوب اليمنية التي لا يمكن إغفال أهميتها الاستراتيجية، كونها تطل على أكثر من «واجهة» حدودية مهمة، على المحيط الهندي والبحر الأحمر، ما يعطيها إمكانات استقطاب عناصر التنظيم من أي مكان. إن معركة لودر، وجعار وزنجبار القادمتين ليست مجرد معارك مع تنظيم يسعى إلى تثبيت موطئ قدم، بل تتعدى ذلك إلى مؤامرة ضد إرساء الاستقرار في اليمن وضرب المبادرة الخليجية التي كانت بمثابة طوق نجاة لليمنيين من حرب مماثلة ليست مع القاعدة ولكن بين الإخوة وأبناء العم والجيش والنظام على السواء. وأعتقد أن النظام اليمني الجديد لاحظ التذبذب الواضح في أداء الجيش ليس بسبب عدم قدرته على المواجهة، بل بسبب عجز اتخاذ قرار استراتيجي بإعلان الحرب على القاعدة، وهذا ما تحقق عندما قرر النظام الجديد سرعة تدارك الأمر والتحرك بشكل فعال للحفاظ على وحدة واستقرار اليمن، خاصة أنه ما زال في مرحلة المخاض والانتقال إلى آفاق جديدة على جميع المستويات وإنهاء حالة الشد والجذب بين أطراف المعادلة السياسية والعسكرية. لقد نجحت ألوية الجيش اليمني في لودر بدعم من اللجان الشعبية في دحر عناصر تنظيم القاعدة، الذين كانوا سيطروا على قمم عدد من الجبال الاستراتيجية المطلة على مدينة لودر في محاولة للسيطرة عليها. لم يكن لقاء العقيد الركن فرج حسين أبوبكر قائد أركان حرب اللواء 111 مشاة المرابط في لودر سهلا، خاصة أن توقيت الزيارة كان خلال المراحل الأخيرة من الحرب. إلا أن العقيد الركن فرج حسين أبوبكر لم يعطنا الوقت الكافي فحسب، بل حرص على مرافقتنا طوال فترة تواجدنا في لودر، حيث أكد في بداية اللقاء أن النجاحات التي حققها الجيش ممثلا في اللواءين 111 مشاة و26 حرس جمهوري والطيران الحربي تحققت بدعم شعبي، مؤكدا أن التنظيم الإرهابي تكبد خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وقال فرج إنهم عازمون على مواصلة حربهم ضد القاعدة بنفس الضراوة إلى حين اجتثاثه من المحافظة وكامل تراب اليمن. ودار الحوار على النحو التالي: تطهير لودر • حقق الجيش اليمني في الآونة الأخيرة نجاحات كبيرة في حربه ضد تنظيم القاعدة، فإلى ماذا تعزون غياب مثل هذه النجاحات في السنوات الماضية؟ • في الحقيقة لقد حققنا نجاحات غير مسبوقة في جميع مدن وقرى وجبال لودر وتم تطهير هذا المحور بالكامل وأعتقد أنكم شاهدتم بأنفسكم دحر عناصر القاعدة خارج المدينة واستعادة السيطرة على جبل يسوف الاستراتيجي والمطل على المدينة. ولا تزال قواتنا المسلحة بكل ألويتها وتشكيلاتها تقاتل بمشاركة ودعم شعبي على كل المحاور في محافظة أبين تلك الشرذمة التي تهدف إلى تدمير بلدنا وتمزيقه ونشر الفوضى والتخريب والفتن والقتل بدم بارد من خلال تنفيذ رغباتها وأحكامها التي لا يرضى بها دين ولا تشريع ولا تقاليد ولا أعراف. وتعود تلك النجاحات بالدرجة الأولى إلى دعم ومتابعة القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي وتوجيهات وزيري الدفاع والداخلية ومحافظ محافظة أبين جمال العاقل والقيادات العسكرية والقبلية في المحافظة الذين كانوا معنا في كل لحظة بمتابعتهم وتوجيهاتهم وخططهم التي انبثقت من إصرار عسكري وشعبي في كل محافظة أبين للتخلص من العصابات القاعدية الإرهابية. وقد تمكن اللواءان 111 مشاة و26 حرس جمهوري من تطهير منطقة لودر والسيطرة على جبل يسوف بمساندة قوية من قبل اللجان الشعبية وقوات الأمن المركزي. الجهد الشعبي وراء النجاح • هل تقصد القول إن الجهد الشعبي كان له دور كبير في نجاحات حرب الجيش على القاعدة؟ • نعم .. الصمود والإصرار الشعبي كان لهما الكلمة الفصل، فالمواطنون هم المقاتلون ومصدر المعلومات الاستخباراتية بدون أن نطلب منهم ذلك. وقد استشعروا الخطر الداهم الذي تمثله تلك الجماعات وبادروا بتقديم الدعم الميداني والمعنوي واللوجستي للجيش. وخرجوا بأسلحتهم في طلائع القوات. فالتكاتف الشعبي وحرص الوجهاء والشخصيات القبلية والاجتماعية في المنطقة ساعد الجيش واللجان الشعبية في تكبيد عناصر القاعدة خسائر كبيرة. لا مقر دائما للقاعدة • أين كان الجيش طيلة الفترة الماضية؟ • لا أخفيك عناصر القاعدة ليس لديها مقر يمكن استهدافه، لكنها مجاميع تأتي من اتجاهات مختلفة لتخويف المواطنين وإثارة الفوضى والعنف، فإذا وجدت قوات تصدها تعود منكسرة تجر أذيال الخيبة والهزيمة. فقد كانت تأتي من أكثر من اتجاه، خاصة من شقرة وأمعين والوضيع، بمجموعات قليلة وبشكل مفاجئ، إلا أن المعلومات التي تردنا من المواطنين تحدد لنا المواقع التي تتواجد فيها وأوكارها وعدد أفرادها وأنواع الأسلحة التي تستخدمها، ومن ثم يقوم ضابط الدفاع الجوي المتواجد معنا بتحديد الأهداف ليقصفها الطيران الحربي، فيما تتولى المدفعية الهجوم مباشرة عليها. وبذلك تمكنا من قتل المئات من عناصر القاعدة ودمرنا معداتهم وذخائرهم وسيطرنا على مراكزهم. • ما هي نوعية الأسلحة التي يستخدمها عناصر القاعدة؟ • يستخدمون أسلحة تقليدية خفيفة ومتوسطة وأحيانا الدبابات، لكن يتم تدميرها لكونها مكشوفة أمام مدفعية ألويتنا العسكرية وطيراننا الحربي. وكانوا استولوا على تلك الدبابات عند سيطرتهم على عدد من المعسكرات. • هل لديكم إحصائية لعدد الذين قتلوا من الجانب العسكري في الحرب ضد القاعدة؟ • حقيقة ليس لدينا إحصائية شاملة لخسائرنا البشرية والمادية سواء في الحملة الأخيرة أو منذ بدء المواجهة، لكنها لا تساوي حتى 1% من خسائر العناصر الإرهابية في الأرواح والمعدات، إذ تشير المعلومات المتوافرة لنا إلى أن عدد قتلى القاعدة يفوق 500 قتيل، إضافة إلى المعدات والآلات العسكرية التي يتم تدميرها بشكل يومي ما بين مدفعية ودبابة وطقم عسكري. • وماذا عن الأسرى الذين ألقى الجيش القبض عليهم؟ • من بين الأسرى الذين قبضنا عليهم مؤخرا اثنان من قيادات القاعدة، أحدهما يمني والآخر صومالي. ولاحظنا أن بين قتلى عناصر التنظيم الإرهابي إرهابيين يحملون جنسيات عربية مصرية وصومالية وباكستانية. • ما هي أبرز المعوقات التي تواجه الجيش اليمني في حربه ضد القاعدة؟ • من أبرز المعوقات التي واجهت اللواء 111 مشاة في لودر عدم توفر الإمكانيات الطبية المتمثلة في مستشفى متنقل. هذا ليس فقط في لودر وإنما في محافظة أبين بأكملها، حيث إذا أصيب أحد منا يظل ينزف لساعات حتى تصل طائرة مروحية لنقله إلى العاصمة صنعاء. وأحيانا يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن تصل. ولعلكم اطلعتم على وضع المستشفى الوحيد في لودر. كما أن تلك الجماعات الإرهابية تمارس حرب عصابات وخداع وتستخدم قذائف الهاون في قصفها للمعسكر. وتنفذ في أوقات مفاجئة هجماتها على قوات الجيش التي لم تألف خوض حرب العصابات والمكر والخديعة. • ما هو الدور الذي تضطلعون به لفك أسر الدبلوماسي السعودي المختطف من قبل القاعدة عبدالله الخالدي؟ • تلقينا تعليمات من قيادتنا العسكرية والسياسية بالعمل على تحرير نائب القنصل السعودي في عدن عبدالله الخالدي من قبضة القاعدة بكل الوسائل. ونحن ماضون في تنفيذ المهمة التي أسندت إلينا وهي من أولوياتنا، فالمختطف ضيف وابن اليمن. أما خاطفوه الذين يطلقون على أنفسهم اسم «أنصار الشريعة» زورا وبهتانا فهم واجهة لتنظيم القاعدة ولا تربطهم بالشريعة أو اليمن وشعبه أية علاقة. وعملهم المشين مرفوض بشكل قاطع ونهائي. وأفكارهم الظلامية ومحاولاتهم لم تستهدف إخواننا في المملكة فحسب، بل كل أبناء اليمن بمختلف شرائحهم. ونحن كقادة عسكريين يمنيين نعبر للأب والقائد الحكيم الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده والشعب السعودي الشقيق عن أسفنا لما حدث. وإن شاء الله نرى ابننا الخالدي بيننا قريبا.