نشرت «عكاظ» في العدد 3965 أن أفرادا من هيئة الأمر بالمعروف أمسكوا بشاب قالوا إنه كان في خلوة مع فتاة ووضعوا في يديه قيدا من حديد، ثم عند وصولهم إلى مركز الهيئة افتقدوا المفتاح الذي يفتح به القيد فاستعانوا بالدفاع المدني لفكه.. يعجب المرء من سلوكيات الهيئة هذه! وتسمع رئيس الهيئة الجديد في واد وتصرفات أفرادها في واد آخر، وكأن شيئا من تصريحاته لا يعنيهم. قيد من حديد على مجرد شبهة خلوة؟!، لقد شهد ثلاثة رجال عدول عند عمر بن الخطاب على رجل في فاحشة، ليس مجرد خلوة بل فاحشة فهل وضع ابن الخطاب القيود في يد المقذوف؟، لم يفعل، بل أقام حد القذف على الشهود الثلاثة وسوء الظن في كل خلوة بين رجل وامرأة تفوح منه رائحة القذف. ثم هل وجود رجل وامرأة في سيارة في الشارع أو في مطعم يعتبر خلوة؟، أليس الأصل حسن الظن بالناس أجمعين؟، لقد جاء في أحكام عدة المرأة نهي الرجل عن التصريح بطلب الزواج منها قبل انتهاء العدة إلا أن يكون ذلك من باب التعريض والتلميح كما قال تعالى: (علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا). وقد يقع مثل هذا في لقائهما منفردين، والعبرة كما يقول الأصوليون بعموم اللفظ لا بخصوص السبب مع إعادة التأكيد على أنه ليس في الآية معنى من معاني الخلوة، وفرض المسألة هنا أيضا أن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة كما هو القول عند الأئمة الأربعة.. فعلى الإخوة في الهيئة التفقه في الدين قبل وضع القيود ومطاردة الفتيات والإمساك بهن قسرا وحملهن في سيارتهم، من أي باب استباح هؤلاء لمس جسد هذه الفتاة وحملها قسرا في سياراتهم؟، قد فعلوا مثل ذلك في حوادث أخرى سابقة غير التي في أيدينا.. جاء في أضواء البيان (1/462) أنه يشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم يعمل به، أن ما يأمر به إنما هو المعروف وأن ما ينهى عنه هو المنكر كما قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة)، وينبغي أن تكون دعوته كما يقول الشنقيطي إلى الله بالحكمة والموعظة وحسن الأسلوب واللطافة مع إيضاح الحق. فإن كانت دعوته إلى الله بالقسوة والعنف فإنها تضر أكثر مما تنفع. فهل وضع القيود من الحديد على مجرد شبهة خلوة يعتبر من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؟.. وثمة سؤال يعترض هنا وهو هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون مقتصرا على فئة من الناس مختصين بهذا الشيء وهم معروفون متميزون بملابسهم وهيئاتهم مثل رجال الهيئة؟، أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون عاما بين فئات وأفراد المجتمع، كما قال عليه الصلاة والسلام: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»؟. يقول الرازي في تفسيره لآية الأمر بالمعروف في قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) قال إن (مِن) هنا ليست للتبعيض يعني ليكن بعض منكم. لدليلين الأول أن الله سبحانه وتعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف..) والثاني أنه لا مكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما بيده أو بلسانه أو بقلبه، ويجب على كل أحد دفع الضرر عن النفس. ويحتج البعض بأن الهيئة بالوضع الذي نراه اليوم لم يكن لها وجود لا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا في عهد الصحابة ولا التابعين ولا القرون التي من بعدهم، وبالتالي يقول هؤلاء بأن وجودهم كأنه أمر مستحدث. وهذا قول في غير محله والحق أحق أن يتبع فلولا هيئة الأمر بالمعروف ووجودها في كل أصقاع البلاد لانتشر الفساد. ولكن الذي نرجوه هو أن يتحلوا بالتفقه في الدين بالمقام الأول، ثم نتمنى ونحلم أن يندمجوا بين أفراد المجتمع ويتداخلوا بينهم. فاكس: 6975040 E. Mail: [email protected]