إن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت خير أمة أخرجت للناس، لأن فريضتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أليس ربنا يقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، فإذا كانت مهمة هذه الأمة عبادة الله، فهي مأمورة بأن يأمر بعضها بعضاً بالمعروف، وينهاه عن المنكر، وأن تشيع المعروف وتحذر من المنكر لا في أوساطها فقط، بل وفي أوساط الأمم الأخرى، وبهذا استحقت التكريم، وأعلى الفرائض هي هذه الحسبة، وهي إذا عرت عن الشروط والضوابط التي أرشد إليها الشرع والعقل، فقد تتحول إلى أسباب فتنة لا سمح الله، فإنما شرع الله هذه الفريضة لحماية الأمة من كل قبيح وشر، وجلب كل حسن وخير إليها. ولا يتحقق هذا إلا بعد استيفاء شروط وضوابط إن عرت عنها الحسبة ضاعت الثمرة المرجاة منها، ومن أول هذه الضوابط ألا يقتصر فيها على انكار المنكر الذي هو المحرم الذي لا اختلاف على حرمته، ويترك الأمر بالمعروف الذي به الألفة بين خلق الله، وأن يكون هذا المنكر موجوداً في الحال ظاهر دون تجسس ولا تحسس، وألا يكون منكراً متوقعاً، أو منكراً اخترعه ولم يقع، والتجسس على الخلق لإظهار معايبهم، ولو كانت معاصي، يستخفون بها عن الناس غير جائز بل محرم بنص القرآن والسنة، وأن يكون هذا المنكر معلوماً جلياً لا يحتاج إلى اجتهاد لاكتشافه وأن يدفع بأيسر ما يمكن دفعه به، وهنا فالالتزام بعدم إنكار ما عليه اختلاف سائغ أولى، لأن فيه ما يجمع القلوب ولا ينفرها، ثم إن الحسبة دعوة إلى الله للالتزام بما شرعه عز وجل، ولا تكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة لقول الله تعالى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). ولابد وأن يرافقها اللين والبُعد عن فاحش الكلام والغلظة فيه، واتهام المأمور المنهي بشتى التهم، ولو لم تكن فيه، ويلزم لهذه الفريضة العلم الواضح والدقيق بما هو معروف فعلاً وما هو منكر، وطريقة وجود المعروف ومنع المنكر، بحيث لا يكون فعل الأمر بالمعروف منكراً، وإنكار المنكر بمنكر أكبر، وألا يقتصر إنكار المنكر على المعاصي التي تكون بين العبد وربه، ويترك الإنكار على الفاسدين والظالمين، ويجب أن يلتزم بمراتب الإنكار الثلاثة، ومن يقوم بها، فيكون الإنكار باليد للسلطة، وباللسان للعلماء المؤهلين لذلك وأما بالقلب فللجميع، فهذا يجعل الآثار أفضل، وأن تنتهي فكرة أن كل أحد يمكنه أن يأمر بمعروف وينهي عن منكر ولو لم يكن له من العلم إلا القشور، وحتى لا تكون الحسبة وظيفة من لا وظيفة له . [email protected] ص.ب 35485 جدة 21448 فاكس: 6407043