للدكتور أحمد العيسى كتاب مهم عن التعليم العالي يتضمن رؤية واقعية صادقة لما هو عليه حال التعليم العالي في بلادنا، لكن الكتاب لم يجد من الاهتمام ما يستحق رغم أن موضوعه من أكثر المواضيع أهمية وحيوية في مجال التعليم العالي، وكان حقه أن يسلط الضوء عليه وأن ينال الكثير من النقاش. الكتاب الذي أعنيه هو (التعليم العالي في السعودية: رحلة البحث عن هوية) وقد صدر عام 2011 عن دار الساقي. ومؤلف الكتاب رجل تعليم انغمس في بحور التعليم العالي لسنوات وعمل مديرا لجامعة اليمامة الأهلية لبضعة أعوام، فمكنه ذلك من معرفة كثير من الخفايا والزوايا المسكوت عنها. الكتاب يتناول فكرتين رئيسيتين: إحداهما تتعلق بمشكلة توحيد مؤسسات التعليم العالي كلها في نطاق سياسة إدارية وأكاديمية مركزية موحدة تطبق عليها جميعها، فصارت الجامعات نسخا مكررة من بعضها في الأنظمة وشروط القبول والتحويل من كلية إلى أخرى واحتساب الدرجات وتعيين هيئة التدريس وغير ذلك، مما أدى إلى أن تفقد الجامعات هويتها وتفردها وتفقد معهما ارتباطها بالمكان الذي توجد فيه وقدرتها على تلبية احتياجاته البيئية القريبة. وعيب هذا التوحيد لا ينحصر في كونه يجعل الجامعات نسخا متشابهة فحسب، وإنما هو أيضا يفقد الجامعات الحرية الأكاديمية التي هي صلب المعرفة العليا كما أنه يشل قدرة الجامعات على تكييف خدماتها بما يتواءم مع احتياجات وظروف البيئة التي أنشئت فيها. الفكرة الثانية، تتعلق بقضية التوسع الكبير الذي حدث مؤخرا في إنشاء الجامعات في مختلف مدن المملكة، وهذا التوسع له إيجابيات ولكن أيضا له سلبيات، فهو وإن حل مشكلة القبول أمام خريجي الثانوية الذين كان متعذرا عليهم الحصول على مقعد في الجامعة، أو ساعد في الحد من ظاهرة الهجرة إلى المدن الكبرى حيث تكون المؤسسات التعليمية العليا، أو أسهم في إيجاد فرص وظيفية في المدن المتوسطة حيث تشكل الجامعات الجديدة نواة لنشاط اقتصادي مهم، هو وإن أتى بكل هذا، إلا أنه من ناحية أخرى يظل يثير القلق نحو نوعية التعليم المتوقع أن تقدمه تلك الجامعات الوليدة ويبعث على التساؤل حول مدى كفاءة البرامج المتاحة وجودتها، فهناك عجز في توفر الكفاءات التعليمية للتدريس على كافة المستويات العلمية، وهناك نقص في توفر القوى البشرية المساندة في تخصصات مثل الطب والعلوم الصحية الأخرى، فكيف ستكون مخرجات تلك الجامعات؟. ويختم المؤلف كتابه بقوله: «الجامعات هي أمل الوطن في مستقبل مشرق، وهي أمل الدولة في تنمية مستدامة، وهي أمل المجتمع في نهضة علمية ومعرفية وثقافية، هذه الجامعات تحتضن اليوم زهرة شباب الوطن، وفيها يقضي أبناؤنا أخصب فترات حياتهم، ولذلك فهي تستحق أن نمنحها الفرصة، الفرصة الحقيقية لكي تتنفس الهواء النظيف من خلال مناخ الاستقلالية والحرية، فبدون هذه الاستقلالية لا نستطيع أن نحملها المسؤولية: مسؤولية البناء ومسؤولية العلم، ومسؤولية الكلمة، ومسؤولية القرار». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة