على مدى مشوار طويل مع «الفن وأهله»، هذا المشوار الذي قارب العقود الأربعة، قليلا ما التقيت بالفنان الطفل ذي الستين عاما قليلا جدا، ولعلك عزيزي القارئ معي في معنى ما أرمي إليه، فهناك منا نحن البشر بشكل عام وليس الفنانين فقط من يعيش سني عمره الطويلة بياضا في بياض.. بياض القلب والسريرة وبياض الطفولة ونقاءها، صالح الشهري فقيد الوسط الفني السعودي وفقيد المنطقة بشكل عام في الوسط الفني وتحديدا الموسيقي الذي رحل عن دنيانا متسربلا بدعوات المحبين ظهر أمس الأول كان واحدا من هؤلاء الأطفال المتشحين بالبياض والنقاء على نحو فيه كثير من الاختلاف مع مواصفات غيره من الفنانين.. صالح الذي لم نكد نسمع عنه كلمة سوء في أحد أو انتقاص من زميل أو غيره. هذا بطبيعة الحال لا أعني أن السواد الأعظم من الفنانين في كل هذا السوء، ولكن كثيرين منهم للأسف! صالح الشهري فنان لا يمكن أن أصف بياضه وصفاء نفسه.. إنه من الطيبة لدرجة يكاد يكون فيها قلبا أبيض من عجينة أخرى غير تلك القلوب الطيبة التي نعهد، رحم الله صالح الشهري الإنسان والفنان والأهل الحقيقي للصداقة الحقة، أخيرا الحديث عن الجانب الإنساني والشخصي عن صالح عند وفاته اليوم لا يعني أن الحديث عن المنجز الفني لدى صالح الشهري فقير في مجمله بل العكس تماما، إذ أنه موسيقي ثر العطاء.. عطاؤه الفني ليس محدودا في الكم والكيف فأعماله رنانة، تظل في الأذن والوجدان طويلا ولصدقها الكبير وعمقها الذي يساوي إعجاب الراحل صالح الشهري بأستاذه عمر كدرس وأعماله الموسيقية العظيمة إذ كثيرا ما يكرر علي صالح إعجابه الكبير بمدرسة عمر كدرس الفنية وكثيرا ما حاول أن يعبر عن ذلك وعن عظمة موسيقى وفكر الكدرس موسيقيا. صالح الشهري علم حديث من أعلام الموسيقى السعودية الحديثة ومن صناع المجد الغنائي لكثير من شباب الأغنية السعودية والخليجية وليس أدل على ذلك نجاحات عبدالله رشاد وعبدالمجيد وراشد الماجد وغيرهم الكثير في ساحة الأغنية بألحانه التي منها على سبيل المثال لراشد الماجد «يسألوني، ردتك الايام، حمام، ليلى ومجنون، انت ملاك، شرطان الذهب، ما أبي أسمع رجاوي، ابشر ، نور الاعيان، قماري، حبيبي معايا، أشقر على اشقر، وينك حبيبي مادريت وش صار، على مين تلعبها، خلهم ينفعونك، يا مليح، حجة الغايب» ومع عبدالمجيد عبدالله في «لان، يا بعدهم، مين زعلك، حبيتك، روحي تحبك، يغار سمعي، استكثرك وقتي، انت السبب، احب الزين، شاغل بالي، ما بين بعينك، حسبي على العذال، متغير علي، كيف اسيبك، مردود السلام، رهيب والله رهيب، وش معك للمولع، دندنة، على الوجهين قلبني، عين تشربك شوف، حبايبنا» وغيرها الكثير، رحم الله الشهري الصالح.. صالح الشهري. فاصلة ثلاثية في ديوانه «رحيق الثمرات من جبال السروات» يقول الشاعر الكبير محمد سعيد الذويبي: هبت انسام الاغاني والزجل بعدما نصف من الليل ارتحل وهاض صدري بالخواطر والهجوس لا طرب هيض عليا ولا زعل وحنت الاشواق للعهد القديم وشفتها اقرب للتخيل والغزل