حين ترتبط مصائر الشعوب ومستقبل الدول بقرار سياسي فإن ذلك القرار يصبح واجب النفاذ غير قابل لأي تأخير أو تسويف أو مماطلة أو إعادة نظر، تلك هي المسلمة التي علمنا إياها التاريخ والتي ينبغي تبنيها فيما يتعلق بتحول دول مجلس التعاون من صيغة التعاون التي استمرت عقودا من الزمن إلى الصيغة الاتحادية التي طرحها خادم الحرمين الشريفين وبادرت قيادات دول مجلس التعاون إلى تبنيها والوعد بالعمل على تنفيذها ووجدت صدى عظيما لدى شعوب دول المجلس حين رأوا فيها ما يطمحون إليه من قيام اتحاد خليجي تتضافر فيه الجهود وتتحد فيه المواقف لكي يصبح صفا واحدا قادرا على مواجهة التحديات المختلفة ويشكل في الوقت نفسه كتلة سياسية في عالم لم يعد يعترف بالكيانات الصغيرة وأصبحت دوله العظمى تسارع إلى تكوين اتحادات كبرى تضاعف من إمكاناتها وتعزز من قواها. إن الموافقة التي أبداها زعماء الدول الخليجية على مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للانتقال من صيغة التعاون إلى صيغة الوحدة أصبحت دينا لشعوب المنطقة لدى زعمائها وعليهم أن يوفوا ذلك الدين ويوفوا لشعوبهم بما وعدوهم به من تحقيق حلمهم بذلك الاتحاد. لقد استطاعت دول تفرق بينها اللغات وتتوزعها الأعراق ويوسع بين شعوبها تاريخ من العداء والحروب أن تتجاوز ذلك كله وأن تتحد، فكيف بدول الخليج التي لا تكاد تفصل بين شعوبها سوى خطوط وهوية وحدود تعجز أن تفرق بين شعوب تتحد في الدين واللغة والتاريخ والمصالح المشتركة، بل توحد بينها تحديات مشتركة تجعل من الاتحاد الضمان الوحيد لتوفر القدرة على مواجهة تلك التحديات. الاتحاد بين دول الخليج لم يعد خيارا بين خيارات أخرى بل أصبح هو الخيار الوحيد لمواجهة طوفان التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية التي عصفت بدول عدة واكتوت بنارها شعوب متعددة . وإذا كانت الدول الخليجية قد تمكنت في الماضي من مواجهة التحديات كدول منفردة كما استطاعت في الوقت الراهن أن تواجه التحديات في إطار التعاون فإن تحديات المستقبل التي بدت نذرها لا يمكن مواجهتها بغير صيغة الاتحاد، فهل يعجل قادة الخليج بقيام هذا الاتحاد أم يتركون مستقبل شعوبهم مرتهنا لقرار سياسي مؤجل.