إني لست فنانة تشكيلية تتقن استخدام الريشة فتغمسها في الألوان لتبدع أجمل اللوحات، ولست أديبة تتكئ بريشتها على الورق فتصوغ أحلى الحكايات أو تغني أعذب الأشعار، أيضا لست موسيقية تعانق أصابعها الريشة فتنساب الأنغام ناعمة حالمة، إذن ما الذي يجعلني أختار الريشة لتكون موضوعا أتحدث إليكم حوله؟ إنها ريشة صغيرة رأيتها تطفو أمامي ترقص في الفضاء صعودا وهبوطا، وابتعادا واقترابا، فاستوقفتني حركتها وألهتني عما كان يشغلني فانجذبت إليها أتأملها وهي تمارس أمامي هذا الرقص البديع في الفضاء الفسيح من حولها. كان أول ما خطر ببالي وأنا أتأمل هذه الريشة المتماوجة في الفضاء ذلك المثل الشائع بين الناس (ريشة في مهب الريح)، يقولونه كلما أرادوا اتهام شخص بعدم الثبات على رأي واستمراره في التقلب في رأيه وفق ما تمليه عليه المؤثرات من خارج ذاته. ما الذي يجعل الريشة خاضعة لهبات الريح؟ خفة الوزن؟ وماذا عن الإنسان؟ ما الذي يجعله كالريشة في مهب الريح أهي خفة الوزن أيضا؟ وإذا كانت خفة وزن الريشة يقصد بها وزنها المادي فهل يمكن أن تكون خفة وزن الإنسان المقصودة متمثلة في وزنه الفكري والانفعالي، خواء فكره وانتفاخ عواطفه؟ عندما يضيق صدر الإنسان بمعارضيه فتمتلئ نفسه بانفعالات الغضب والكراهية والحقد والرغبة في الانتقام، يضحي ريشة في مهب انفعالاته المستثارة، وعندما تكتنز نفسه بالعُجب فتنتفخ عواطفه بالكبر يضحي ريشة في مهب انفعالاته المغرورة، وعندما يفرغ ذهنه من كل شيء عدا متابعة اللذات يضحي ريشة في مهب أهوائه. الإنسان في حاجة إلى أن يثقل وزنه حتى لا يكون كالريشة في مهب الريح، ولو سألتني كيف؟ لأجبتك بأن يتعلم (التسامي)، فالتسامي بالذات يجعل المرء يصمد في وجه انفعالاته ويقوى على مواجهة ضعفه ويرتقي فوق أهوائه وشهواته، حين يتسامى الإنسان بذاته يكتسب ثقلا يعطيه الاتزان والثبات فلا تسهل زعزعته أو تحريكه. من يملك القدرة على التسامي تعجز انفعالاته عن العبث به، يصير أثقل من أن توجهه ثورة غضب، أو تسكره نشوة ثناء، أو يأسره خدر من لذة عابرة. ومن يمكنه التسامي لا يهمه أن يحرص على أن يقابل الخطأ في حقه بخطأ مثله، ولا يستفزه أن توجه إليه الإساءة فلا يشفي غيظه سوى مقابلتها بمثلها وأكبر. من كان ذا نفس متسامية ينأى بنفسه عن الرقص في كل اتجاه وفق ما يطرق سمعه من الإيقاعات، مطربة كانت أو مغضبة. التسامي يثقل صاحبه ويرسخ قدمه في الأرض فما يعود كالريشة في مهب الريح. فاكس: 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة