في أزقة ضيقة وممرات غريبة في وضعها، تنتشر عيادات الطب الشعبي في حي المنصور في رابعة النهار بعيدا عن أعين الرقابة، تمارس في هذه الأزقة كل صنوف التداوي الشعبي، ولأن سلامة الفرد الصحية تبنى عليه سلامة المجتمع ككل، وبين هاجس التخوف وفضول الاكتشاف، قادتني أقدامي إلى هذا العالم المختلف من العيادات الغريبة العجيبة، إذ لا يلزمك هنا دفع قيمة كشف يؤرق تفكيرك، ولن تحتاج لانتظار أو نظام، فالجميع هنا استشاريون يتناثرون على جنبات الطريق، ما عليك سوى أن تشرح علتك لمن يسمي نفسه طبيبا يتخذ من قارعة الطريق أو «الزقاق» عيادة له، يمارس فيها ما يعقل تصديقه، والدواء هنا يباع بكل أصنافه، يفترش مع بائعيه الأرض بين أكوام البضائع والنفايات، حجامة، مساج، وأنواع أخرى من التدليس تفتقر للسلامة والوقاية والمعايير الصحية المهنية المتعارف عليها. هنا حاولنا كشف الخفايا والممارسات التي تحدث عيانا بيانا في أزقة شارع المنصور في مكةالمكرمة: تجولت أنا، وعدسة «عكاظ»، نستجلي هذه الصورة ذات الخلفية والإطار المؤسف، اقتربت محاولا الحصول على تصريحات من هؤلاء (الأطباء الاستشاريون على الطريق)، وبعد محاولات مضنية، استجاب أحد ممارسي المهنة، قال إن اسمه بكر، ويكنى برئيس المستشفى الميداني، هو أفريقي الجنسية، أوضح «أمارس هذه المهنة منذ 30 سنة في نفس هذا المكان»، واستطرد يشرح الحال «العمل هنا يقسم إلى قسمين، فريق يتولى جلب الزبائن من الشوراع العامة والرئيسية، وفريق يتولى تهيئة الزبائن وما يتطلبه (العلاج) من نزع ملابس أو ترتيب دورهم على الرصيف، كما خصص شخص يدعى ناشر وتجهيز أماكن العلاج في جسد المريض والتأشير عليها وتنظيفها من الشعر مثلا!». وأمام هذه الغرائب، سألته: وماذا عن مرضى الضغط والسكر، وماهي مسؤوليتكم تجاههم في حال حدوث أعراض جانبية؟، أجاب بسرعة بلهجته المكسرة: من يأتي هنا يتحمل كامل المسؤولية عن ما يلحقه من آثار جانبية إذا ما حدثت!. سألت أيضا عن الأدوات البدائية التي يستخدمونها في عملية الحجامة تحديدا، قال «نشرح الرؤوس بالموس بعد حلقها، وكذلك الأكتاف والظهر، والأرجل بعد تمديد الزبون على الأرض، ونبدأ بمص الدم واستحلابه بالفم!!». والأدوات المستخدمة هنا، غريبة في أشكالها، ولكل منهم أدواته الخاصة به، وأبديت ملاحظتي لأحدهم عن سبب عدم تنظيف الأدوات الملطخة بالدم، فاجأني بإجابته «وجود الدماء على هذه الأدوات يؤكد مهنية صاحبها وكثرة زبائنه، نحن تكتفي برمي دماء الزبائن على الأرض فقط، فيما تبقى الأدوات بما عليها من آثار شاهدا على المهنية!؟». أبديت ملاحظة عن العلاجات الكثيرة المترامية على البسط الأرضية، أكد لي أحد باعتها «لا تخضع إلى تصنيف معين، فلكل علة دواؤها». انتقلت بهم إلى موضوع التكلفة، وسألت عن هذا الموضوع، قال لي (استشاري) آخر: نتقاضى 15 ريالا عن كل كاسة دم تخرج من الزبون، بينما يصل سعر الكاسة في مواسم الحج والعمره إلى 50 ريالا. • وهل تضايقكم لجان البلدية؟ اكتفى للإجابة على هذا السؤال بابتسامة عريضة. • وبعد عملية الحجامة، كيف تتصرفون مع مريض أصيب بدوار مثلا؟. نكتفي بإيصاله لسيارته، ونوصيه بعدم قيادتها!. تحدثت معهم أيضا عن الشهادات والمؤهلات التي يحملونها، أفادوا «هذه الأشياء لا تلزمك هنا، خصوصا وأن معظمنا من مخالفي النظام ومتخلفين من الحج والعمرة». تحدثت مع عدد من المواطنين والمقيمين الذين يرتادون هؤلاء الأطباء المشعوذين، أفادوا بأنهم يأتون إلى هذا المكان ويترددون عليه نظرا لرخص الأسعار مع أنهم شكوا من سوء وقذارة الموقع وغياب الرقابة، مشيرين إلى أن معظمهم يأتون للحجامة «لعدم وجود بدائل» كما قال أحدهم. وعن الأدوية التي يشترونها من هذه الأمكنة، قال واحد من مرتادي المكان «أشتري نوعيات محددة وأخشى تأثيرها على صحتي لكنني ألجأ إليها لرخصها». شخص آخر اسمه ناصر العسوس ألقى باللائمة على مسارب أخرى «المشكلة هنا لها أبعاد كثيرة ابتداء من التخلف التراكمي من القادمين للحج أو العمرة، إلى العشوائية في المساكن وعدم تصنيفها وترقيمها وانعدام دور لجان المراقبة والتثقيف الصحي»، مبينا «هذا المكان معروف منذ القدم ويأتيه زواره ومراجعوه من خارج منطقة مكةالمكرمة، وأنا في الواقع أستغرب جهل اللجنة المعنية بما يحدث في هذا المكان».