لا أعتقد في أن هناك من ضرورة تدعو الكاتب والناقد الدكتور عبدالله الغذامي للتبرؤ من الليبرالية في كل مناسبة أو لقاء معه وكأن هناك وزرا ثقيلا يريد البعض إلصاقه به، لأن من قرأ للغذامي سيلحظ أن حداثيته ليس لها علاقة بمفهوم الليبرالية الأعمق لا من قريب أو بعيد. هي حداثة تمحورت في مجملها حول الأدب والنقد، حتى وهو يطبق منهج البنيوية في بحثه فهي لا تتعدى النصوص الأدبية مع أنها أي البنيوية تدخل في تفاصيل ثقافات المجتمعات ومكوناتها اللغوية والفكرية لكن تطبيقه لمنهجها تمركز حول الأدب فحسب. مع أن المرحلة التي نشطت فيها جماعة الحداثة شهدت تحولات ملفتة سواء في سلوكيات الأفراد أو طريقة عيش الجماعات بحكم الطفرة المادية التي ظهرت فجأة في مجتمع يفتقد كثيرا إلى التحضر البناء والمدنية التي عليها مجتمعات أخرى سبقته بمدد طويلة، وكان بالإمكان أن يكون ذلك التحول مجالا خصبا للدراسات الفكرية أو النظريات التي ترصد أدق الجزئيات المؤثرة وما أفرزته من إشكاليات أقواها محاولة البعض أخذ التطور صور ظاهرية مع احتفاظه في الداخل بتلك الشخصية المحافظة حد الغلو. ولا ننكر أن ذلك الغلو رافق الطفرة المادية في بعض مشاهدها وخاصة ما يتعلق بالأدب والثقافة، ومرجعية ذلك اعتقاد البعض أنهما يتدخلان في تشكيل فكر المجتمع والتغيير فيهما حتى لو شكليا قد يلوث فكر الجماعات ويقودها إلى اعتناق عقائد معادية أو مخالفة. وبرز ذلك فعليا في الرفض التام لإدخال أي تعديل أو تطوير في شكل النصوص الأدبية وكأنها من المسلمات التي لا تقبل الإضافات أو التغيير، بمفهوم آخر كانت هناك أسلمة للأدب كغيره من الموجودات، وهذا ما وضحه الغذامي بجلاء في كتابه حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية وكيف هي ردة الفعل والحرب التي شنت عليه بسبب أفكاره حول حداثة الأدب. لكن لا يعني ذلك أن حداثة الأدب هي الحاضرة، فهناك حداثة شاملة لا تتقاطع مع مفهوم الليبرالية وبرزت في كثير من الأعمال الأدبية والأطروحات الفكرية وتبنتها أسماء لها ثقلها كتركي الحمد وعبدالله الجفري وغيرهما، وإن كان هناك اختلاف فهو في شكل الجنس الأدبي الذي تميز به اسم عن آخر، أما المضمون فلم يعاكس النظرة للحرية والانفتاح على ثقافة الآخر وتحميل شخصيات اجتماعية لتلك الرؤى من خلال الطرح الأدبي الذي يحاكي الواقع في الكثير من أحداثه كما هي الشخوص في روايات الحمد.. إذن لابد من أن نقر للغذامي أنه حداثي في مجاله دون أن نلغي فكرة التطابق بين الحداثة والليبرالية، وإنهما فكر تنويري يعتنقه الكثير في رؤيته المعتدلة التي تركز على أحقية البشر في الحصول على مستوى معيشي أفضل. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 270 مسافة ثم الرسالة