يبدو أن الانتخابات التى جرت أمس فى فرنسا تتجه إلى الإعادة بين قطبين كبيرين؛ هما الرئيس ساركوزى و هولاند ممثل تيار اليسار الفرنسى. وقد جرت العادة فى العالم العربي على متابعة مثل هذه الانتخابات من منظور محدد وهو موقف المرشحين من القضايا العربية وخصوصا القضية الفلسطينية. ولاشك أن قراءة الخريطة السياسية فى فرنسا من الناحية التاريخية تظهر بعض المؤشرات المرتبطة بحكومات اليمين واليسار وهى الحكومات التى تعاقبت على السلطة فى فرنسا خلال العقود الستة الأخيرة. وقد تولى الجنرال ديجول حكم فرنسا مرتين فى عام 1946 ثم عاد عام 1958 فى دستور جديد كرس فيه صورة فرنساالجديدة التى تخلصت من عقدة رجل أوروبا المريض، ومن العقدة الاستعمارية إلا قليلا ولكن اللافت فى سيرة ديجول أنه قدم عربون الصداقة الفرنسية العربية عندما أعلن بشجاعة استقلال الجزائر فى يوليو عام 1962، ثم كان موقفه التاريخي فى الثاني من يونيو 1967 عندما أعلن أن فرنسا لن تقف مع من يطلق الطلقة الأولى فى صراع الشرق الأوسط. ثم رحل ديجول بعد أن أسس الديجولية التى وجدت مصلحتها فى العالم العربى. ثم جاءت حكومات اليسار الفرنسي فى ميتران وقفزت فرنسا إلى شيراك الديجولي اليميني فكان أقرب إلى القضايا العربية. ولكن فرنسا تحولت فى عهد ساركوزي إلى مساندة إسرائيل، والتخلي عن مواقفها التقليدية، وكان ذلك واضحا منذ سابق ساركوزي توني بلير في بريطانيا على كسب قلب واشنطن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ودور مستتر للولايات المتحدة فى نصرة ساركوزي وانتصاره على شيراك خاصة بعد المعركة الدبلوماسية فى مجلس الأمن الخامس من فبراير 2003 بين وزيري خارجية فرنسا والولايات المتحدة حول تفسير دور مجلس الأمن فى العراق. ومن نافلة القول إن منهج تحليل البرامج الانتخابية للمرشحين لم يعد يقدم كثيرا فى فهم وتقييم السياسات العملية لهم. والسؤال إذا كان العرب فى فرنسا قد صوتوا إلى جانب هولاند انتقاما من ساركوزي فهل سيكون هولاند أقل انحيازا لإسرائيل، أم أن موقف الرئيس الجديد سوف تحكمه العديد من الاعتبارات أولها ضعف العالم العربي، وتغول إسرائيل وانقسام الفلسطينيين. ولكن آفاق ثورات الربيع العربي سوف تكون ضمن حسابات القيادة الفرنسية الجديدة.