أصبح خطاب الليبرالية في مشهدنا الثقافي واقعا ملموسا مثل أي خطاب من الخطابات الأخرى فأصبح يخضع للتحليل والنقد والمراجعة.. وسبق أن أشرت في مقال سابق أن لدينا (ليبراليات متعددة) مثلما كانت لدينا (حداثات متعددة ولم تكن حداثة واحدة)، فليس ثمة ليبرالية واضحة الهوية أمامنا.. ورغم قناعتي التامة بأن خطاب الليبرالية لدينا يعيش حالة من (التيه) في هذه المرحلة لأسباب عدة لكنني سأمضي باتجاه ذلك المفهوم الذي جاء وصفه بأقلام الصحافيين الأجانب بعيدا عن السؤال العلمي العريض؟ الذي طرحه الدكتور عبدالله الغذامي ويطرحه غيره من الباحثين ذلك السؤال الذي لو طرح أيضا على الخطابات الأخرى لأخضعها لنفس إشكالية الخطاب الليبرالي وبنفس الجدلية مع اختلافات خاصة بكل خطاب.. إن تلك النماذج (الليبرالية) في مستوياتها المتباينة تقدم لنا خطاب الليبرالية بوصفه خطابا له حضوره ومواقفه وآراؤه وحيث الخطاب (مجموعة من المنطوقات والملفوظات) سيظل خطابا إشكاليا، يواجه الآراء الناقدة ومن تلك الآراء ما هو علمي أكاديمي يتكئ على المنهجية العلمية التي تحاول أن تفضي إلى نتائج من شأنها أن تسهم في تغيير وتطوير ذلك الخطاب، ومنها ماهو ثائر غاضب يقدم آراء وأحكاما مطلقة تفتقد للعلمية ولا تقدم سوى توسيع الفجوة بينه وبين الخطابات الأخرى. وإذا كان المفكر عبدالله العروي يقول عنها بأنها (ساذجة ومشوشة وأنها مرادفة للأمبريالية) فإن الدكتور عبدالله الغذامي في محاضرته الشهيرة يقدم لنا إدانة خطيرة لليبرالية حينما يستشهد برأي للدكتور تركي الحمد في ورقة عن (الليبرالية في السعودية) قدمها الحمد في دولة الكويت قبل مدة لترسم صورة قبيحة عن الحالة الليبرالية في المشهد الثقافي السعودي واصفا إياها بأنها هشة وأنها لم تستطع أن تتجاوز (القبلية) في حكاية سردها عن مجموعة من الشباب الليبراليين السعوديين في أمريكا والذين سهروا وانتهوا إلى مضاربة بالسلاح الأبيض لتمثل تلك الحادثة تشويها خطيرا على لسان كاتب يتحدث من داخل الخطاب الليبرالي، وهنا يبرهن الغذامي أن هذه شهادة ضد الليبرالية من ليبرالي سعودي. لكننا سنتساءل معه (هل ممارسات الليبراليين تصبح حكما على الليبرالية؟) بالتأكيد لا. وتؤكد الدكتورة نورة المري في بحث منشور لها بعنوان (المذاهب الفكرية والخطاب الثقافي العربي_الليبرالية نموذجا) بقولها: (ولعل الليبرالية مازالت الأفكار حولها مشوشة، وخاصة المجتمع السعودي، لخوف الباحثين المبرر من ردود المجتمع المحافظ) وتقول أيضا: (يتضح أن الخطاب الثقافي العربي تنازعته مذاهب فكرية متعددة بدءا بالليبرالية وانتهاء بما بعد الحداثة والعولمة). وأخيرا إلى أي مدى سيستمر خوف وقلق الباحثين من قراءة الخطاب الليبرالي لدينا؛ قراءة علمية تفضي إلى نتائج مضيئة؟ ويا ترى ماهو مستقبل هذا الخطاب في ظل المتغيرات الراهنة؟ وهل سيتجاوز حالة (التيه) التي تمر به في هذه المرحلة؟ [email protected]