كيف يمكن للرياضي أن يطور ذاته ليصبح مبدعا؟ سؤال قد يطرحه كثير من اللاعبين على أنفسهم مرارا ولكنهم قد لا يجدون الإجابة الشافية! كثير من اللاعبين ينتهون في ملاعبنا مبكرا من حيث بدءوا ويذهبون طي النسيان؟ أين يكمن الخلل هنا؟ ولماذا نواجه نقصا ملحوظا في المواهب؟ بينما المدربون الأجانب يفرضون علينا ضرورة إحضار المواهب المبدعة الجاهزة لكي يحققوا البطولات والدولارات، وعادة ما تلبى طلباتهم مهما كانت المعطيات المعاكسة، بذريعة المعرفة والخبرة والدراية بحاجات الفريق، وما إلى ذلك من مبررات. وأن ذلك هو ما يجري في الفرق الأوروبية وكأن فرقنا قد أصبحت في مصاف هؤلاء، والعينة بينة كما يشاع في المأثور الشعبي! وتبعا لهذا التصور تشن بعض أنديتنا غارات انتقائية على أنصاف الموهوبين لدى الأندية الأفقر لاصطياد بعض ما لديها، وسرعان ما يعود هؤلاء بعد تجارب فاشلة إلى نقطة البداية التي انطلقوا منها باحثين عن أي فرص بأي ثمن أو وسيلة..لممارسة كرة القدم ولو بأقل من رواتبهم السابقة! الإبداع ينبع أصلا من الموهبة، وهو فعل وفكر يتعلق بالثقة بالنفس، وفن استكشاف الذات، إنه قدرة اللاعب على خلق أو إنتاج شيء مميز في عالم يميز ويعترف بالتفوق والظاهرة المبهرة.الإبداع يمكن أن يكون موجودا بصورة ما في أي منا غير أن استكشافه وإبرازه يظل مشكلة تواجه الكثير من لاعبينا. إنه متجذر في أعماق كل فرد تقريبا، غير أن المبدع الحق هو من يستطيع الوصول إليه.. واستخراجه مهما كانت المصاعب والعوائق والمحبطات. إنه هناك في صميم أروحنا وقلوبنا وأفكارنا، ومعظم أبنائنا اللاعبين يعجزون عن انتزاعه من مصادره.. و يمضي الوقت وهم عالقون بانتظار فرصة من مدرب قد يفعل أو لا يرغب أو رؤيته هذا إذا كان لديه رؤية» غير لغة البنكنوت وضيق الوقت، وبالمجمل هو لا يرغب؛ لأنه يريد وجبة جاهزة بمواصفات خاصة، فوقته ضيق.. ويطمع في إنجاز ما، إضافة إلى رصيده البنكي والرياضي ثم الرحيل إلى محطة عربية أخرى وهكذا دواليك؟! السؤال الموجهة لمعظم لاعبينا هو: هل فكر أي منهم في ماهية الفرق بين اللاعب العادي واللاعب المبدع؟ وخصائصهما، ولماذا هي كذلك؟ لو أجرينا استفتاء بين اللاعبين لربما جاءت الإجابات والنتائج مدهشة حينا ومثيرة للضحك حينا آخر.. كما حدث ذات صيف! الإبداع «منتج»رفيع، مميز الخصائص والصفات يتولد عبر تطوير الموهبة، والالتزام بأسس الاحتراف العصرية واللوائح المحلية والدولية، والمشاهدة والمتابعة والتثقيف الذاتي، وطلب المساندة والنصيحة من الخبراء، والتجديد والتدريب المضني والإصرار وتحمل الصعاب، والتمعن في النقد الموضوعي الجيد، ومتابعة وقراءة مسيرة المبدعين من اللاعبين المحليين والدوليين، وهي عناصر أساسية ستدفع باللاعب إلى إعادة تشكيل فكره حول ذاته ومواهبه «المدفونة» ومحاولة إظهارها.. والخروج إلى دائرة الإبداع، وعدم الارتهان إلى النمطية، أو الاستغراق في إلقاء التبعة على مدرب أو إداري أو صحافي بحجة أنهم يقفون ضده، وما إلى ذلك من توسلات وشكاوى وتخيلات وهمية لا تجدي إطلاقا. اللاعب الجيد هو الذي يسعى دوما إلى تطوير ذاته، والتطلع إلى الأمام، واقتفاء أثر المبدعين، وتحويل أفكاره الإبداعية إلى حركة واقعية، وإبراز رغبته في التجديد، وإلزام نفسه ببرامج محددة بمساعدة مدرب متمرس يساعده على استخراج وصقل مواهبه، ومن ثم يمكنه إطلاق إبداعياته الخاصة به، لا محاولة تقليد غيره، فلكل طبيعته وتكونه وأفكاره وقدراته البدنية التي لا تتكرر غالبا، غير أن الوصول إلى استخراج الموهبة ومن ثم الانطلاق إلى عالم المبدعين الرياضيين يحتاج إلى روح قتالية وإصرار واستمرارية يفتقر إليها كثير من لاعبينا مع الأسف الشديد! كيف يصبح الرياضي مبدعا؟ هل فكر رياضيونا الحقيقيون لا الطارئون على مائدة الرياضة مؤخرا في ذلك وما هو الفارق بين الرياضي «حديث النعمة» والرياضي المبدع؟ قد تجد أن كلاهما يتمتع بنفس البنية؛ ولكن الفرق يكمن في الأصالة والفكر والإدراك والمواقف والخصائص الذهنية والتوافق الذهني العضلي، حيث يصنف المبدع عادة بأنه غير اعتيادي، ولا يحتاج إلى الالتزام ببعض القواعد والمعايير الذي يلتزم بها عامة الرياضيين، ولا يعتقد هؤلاء المبدعون إلا بأنفسهم وقدراتهم؟ مثلهم عادة ما يصنعون ما عجز غيرهم من الرياضيين على القيام به، إنهم مميزون.. ولديهم قدرة هائلة على محاولة كشف الحقيقة المجردة، وذكاء خلاق، وإقدام على تجربة أفكار وأساليب جديدة، وغالبا ما يفكرون فيما هو غائب عنهم، وماذا يمكنهم فعله لكي يصبح أداؤهم أفضل باستمرار. مثل هؤلاء لديهم رؤية خاصة لإنجاز تقدم ما، رؤيتهم هذه تكون ذات طابع حدسي، أي أنهم يصغون إلى أرواحهم وقلوبهم التي تقودهم في روابي الإبداع! هناك مبدعون رياضيون لدينا.. كل في زمانه ومجاله ووفق قدراته، وهذه النماذج يجب أن تكون قدوة لشبابنا لكي يتخذوا لأنفسهم طرائق من الإبداع والتفوق الرياضي.