قبل كل شيء، أتمنى من كل الأخوة الكرام الذين يعتبرون أي مقال عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكل مساسا بالدين الحنيف، ألا يتعبوا أنفسهم بقراءة هذا المقال لأنهم في مالطا وأنا في الأكوادور وبالتالي لن يسمع أحدنا الآخر، فأنا أتحدث عن موظفين حكوميين يتقاضون رواتب نظير عملهم، بينما هم يريدون تحويل دفة الحديث باتجاه مناطق أخرى لا علاقة لها بأداء هذا الموظف الحكومي أو طبيعة عمل هذه المؤسسة العامة. بالأمس أكد معالي رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، منع موظفي الهيئة من مطاردة الأشخاص؛ سواء أكانوا متهمين أو مخالفين، وقال ما نصه: «المطاردة انتهت إلى الأبد»، ولا شك أن قسما لا بأس به من الناس الذين يصنفون بأنهم «هيئيون أكثر من رئيس الهيئة» سيرون في هذا القرار تقليصا لصلاحيات أعضاء الهيئة بينما أجد في القرار -في حال تطبيقه بشكل حازم، كما أكد رئيس الهيئة- نقلة تاريخية في طريقة عمل الهيئة من شأنها أن تعيد تأسيس علاقة المواطن برجل الهيئة على أسس قانونية واضحة وليس على أساس (جاك الجمس جاك وليده)!. أنا مجرد مواطن بسيط من 20 مليون مواطن أشعر بسعادة غامرة لأن: «المطاردة انتهت الى الأبد» رغم أني من فضل الله لم أجرب مثل هذه المطاردات الهوليودية في يوم من الأيام، ولا أعرف أصلا أين تقع مقرات الهيئة، إلا إذا رأيت لافتاتها في الشارع بالصدفة، قد تزعج سعادتي الغامرة قسما لا بأس به من الناس وأعتذر لهم على هذا الإزعاج غير المقصود ولكنني من وجهة نظر شخصية لا تتجاوز أهميتها (واحد من عشرين مليون) أجد أن مطاردة سيارة الهيئة للناس في الشوارع عمل خطير ويرسخ فكرة أن قيم الفضيلة في المجتمع المسلم مرتبطة بحضور (الجمس)!. من الناحية الدينية، لم أقرأ أن المحتسبين في مختلف عصور الإسلام كانوا يطاردون الناس على الجمال كي يتأكدوا ما إذا كان المطاردون يرتكبون مخالفات شرعية أم لا؟، ومن الناحية القانونية فإن عمليات المطاردة بالسيارات لمجرد الاشتباه أمر في منتهى الخطورة، وهو عمل يفترض أنه من اختصاص رجال الأمن المحترفين وفي حالات الضرورة فقط، أما من ناحية الحقوق الشخصية للفرد فنحن على أطلال الأطلال لذا (قفا نبك)!. الشيء الوحيد الذي يخفف من سعادتي الغامرة بكون (المطاردة انتهت إلى الأبد) أنه رغم كل الجهود الخيرة التي يقوم بها الدكتور آل الشيخ لأحداث نقلة نوعية في هيئة الأمر بالمعروف فإن أطرافا كثيرة ستحاول عرقلة هذا القرار كي (لا تنتهي المطاردة)!، صحيح أن الدكتور أكد مراقبة المركبات التابعة للهيئة عبر الأقمار الصناعية ومعاقبة أي عضو ولكن المشكلة أن الأقمار الصناعية يمكنها متابعة حركة المركبات في الشوارع ولكنها لا تستطيع متابعة حركة الأفكار، وثمة أفكار غابت طويلا في بحر الوصاية ولا يمكن أن تتقبل العلاقة المتكافئة بين المواطن وعضو الهيئة والقائمة على أسس قانونية محددة وواضحة ومكتوبة. بقي سؤال (يقرقع) في صدري منذ أن علمت أن (المطاردة انتهت إلى الأبد) فقد أكد معالي الدكتور عبداللطيف آل الشيخ حرص الهيئة على استقبال شكاوى المواطنين عبر مختلف وسائل الاتصال خصوصا إذا كانت متعلقة بأداء العاملين في الهيئة، والسؤال يقول: في حال مشاهدتي لجمس الهيئة يطارد سيارة في الشارع واتصلت بالهيئة لإبلاغهم عن هذه المخالفة.. هل سيقومون بتسجيل بلاغي فورا أم أنهم سيقولون لي: «أسكت عليك اللحمة يا ملقوف .. ما الذي يضرك لو طاردوا هذا الفاسق؟».