لم يمض أسبوع على انعقاد مؤتمر اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، الذي بكى فيه المؤتمرون لغتهم ورثوها رثاء تتقطع له الأكباد، حتى عقدت وزارة التعليم العالي مؤتمرها الدولي للتعليم العالي في مدينة الرياض مستضيفة ما يقارب خمسمائة جامعة عربية وأعجمية، فأحسنت الاستضافة، وأكرمت الوفادة إكراما بلغ بها إنكار الذات وتقديم لغة الضيف على اللغة العربية ليبدو المؤتمر وكأنه معقود في بلد أعجمي وليس في قلب جزيرة العرب، ربما تماشيا مع قيم الكرم العربية التي تغنى بها شاعرنا العربي الكريم حين غرد متباهيا بكرمه: (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا،،، نحن الضيوف وأنت رب المنزل)!! من منكم جرب مشاعر الغربة داخل الوطن؟ من منكم جرب أن يكون (أقلية) داخل وطنه؟ هذا ما تشعر به وأنت تطوف بين ردهات مركز المعارض حيث عقد المؤتمر!! التطرف البالغ في نشر اللغة الإنجليزية داخل بلادنا، رافقه تطرف بالغ في التنكر للغتنا العربية حتى لم يعد أمام الناس سوى التخلي اضطرارا عن لغتهم. إن كنت لا تتحدث اللغة الإنجليزية التي هي لغة المؤتمر (الوحيدة)، فلا تقلق، لقد وفر لك المؤتمر سماعات تنقل إليك بالعربية كل ما يدور من حديث، ستترجم لك أوراق المشاركين الأجانب وأسئلتهم وتعليقاتهم، وكذلك ستترجم لك أوراق المتحدثين العرب وأسئلتهم وتعليقاتهم، فماذا تريد أكثر من ذلك؟ أليست الغاية أن تفهم ما يقال!! خلال حضوري جلسات المؤتمر، شعرت كأن هناك رسالة خفية، وأفترض أنها اندست بشكل غير مقصود، رسالة ترسخ في عقول الأجيال الجديدة من ناشئتنا أن اللغة العربية لغة أقل شأنا من أن تصلح لتكون لغة للعلم، وأنها لغة قاصرة عن الارتقاء إلى كل درجات وأنواع المعرفة، لغة لا تصلح سوى أن تكون لغة للعامة، أما فئة العلماء والمبتكرين والمبدعين فإنها لا تحرك لسانها بغير اللغة العلمية الراقية، اللغة الإنجليزية!! تنكر مؤتمر التعليم العالي للغة العربية وحجبه التام لها، من الصعب فهمه!! فبينما المملكة تصارع دوليا من أجل الاعتراف باللغة العربية في الأممالمتحدة وفي اليونسكو وغيرها من الهيئات العالمية، يبزغ هذا المؤتمر المنظم من أعلى جهة تعليمية في المملكة ليزيح بعيدا اللغة العربية ويتعامل معها كلغة ثانوية، لغة الأقليات ممن لا يتقنون اللغة العلمية، اللغة الإنجليزية. إذا كنا نحن، في قلب بلادنا، وداخل مؤسساتنا العلمية، نتجاهل لغتنا، ونتنكر لها، مكتفين بحبسها داخل صندوق أثري نعرضه في المتاحف لنذكر العالم أننا في يوم ما كانت لنا لغة تنتج العلم والمعرفة وتقود الحضارة قبل أن تنهض لغة العلم المعاصر فتزيحها، كيف يحق لنا والحال كذلك أن نطالب العالم بالاعتراف بلغتنا!! لو أن من عقد المؤتمر الغرفة التجارية أو شركة من الشركات العامة للمناها، فما بالك والمؤتمر يعقد تحت اسم وزارة التعليم العالي، التي تمثل أعلى جهة مشرفة على التعليم في بلادنا!! إذا تنكرت وزارة التعليم العالي للغة العربية من الذي سيعترف بها إذن؟ وكيف نحفظ لغتنا العربية من التراجع ونعينها على النمو والازدهار إن لم نستخدمها في أبحاثنا ودراساتنا ومؤتمراتنا العلمية؟ ليت وزارتنا العزيزة تخبرنا بذلك؟؟.