على الرغم من الإنجازات العديدة التي حققتها كرة القدم السعودية عالميا وقاريا على مستوى الأندية والمنتخبات إجمالا، وما تركته من بصمة واضحة جعلت منها في مقدمة المتنافسين دوما وأبدا، إلا أن هناك علامات استفهام كثيرة تدور حول غياب لاعبيها عن الاحتراف الخارجي، لاسيما مع تمتعهم بالإمكانيات المؤهلة لذلك على مر الأجيال، وعلى عكس اللاعبين العرب الآخرين الذين استطاعوا إثبات جدارتهم في الملاعب الأوروبية وغيرها، وفتحوا المجال أمام مواطنيهم لإكمال المسيرة، نجد انعداما تاما لاستمرار اللاعب السعودي في رحلته الاحترافية لأسباب مجهولة، وتكرر سيناريو ذلك في أكثر من مشهد ابتداء من فهد الغشيان في هولندا، ومرورا بسامي الجابر في انجلترا وفؤاد أنور في الصين وحسين عبد الغني في سويسرا وغيرهم كثير، الأمر الذي أثار جدلا واسعا بين الأوساط الرياضية حول الأسباب الحقيقة التي دائما تؤدي إلى نهاية الرحلة الاحترافية للاعب بشكل سريع، «عكاظ» فتحت الملف الساخن مع عدد من المهتمين بالشأن الرياضي حول هذه القضية وخرجت بالمحصلة التالية: غياب التسويق في البداية ذكر المدرب الوطني علي كميخ، أن ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه اللاعب وكذلك ارتباطه العائلي والديني، من أهم العوامل التي منعت احترافه خارجيا، كذلك غياب التسويق الذي تعتمد عليه الدول المتقدمة كرويا في أوروبا وأمريكا اللاتينية وحتى أفريقيا، هناك مكاتب مختصة في اكتشاف المواهب وتصديرها خارجيا، بخلاف ما هو لدينا حيث الافتقاد للثقافة التسويقية وتعنت رؤساء الأندية ووقوفهم أمام احتراف لاعبيهم بحجة الحاجة لخدماتهم، أيضا المبالغة في اعتبار الدوري المحلي لدينا الأقوى عربيا، مما أحبط من طموح اللاعبين في الاحتراف في الإمارات مثلا والتي يوجد في ملاعبها لاعبين عالميين كبار يمكن الاستفادة من خبرتهم، بالإضافة إلى أن المدربين لا يسوقون للاعبين الذين تدربوا تحت إشرافهم، كما حدث للعماني أحمد حديد عندما أصر مدرب الاتحاد كالديرون على التعاقد معه، وأصبح لاعبا مهما في خارطة النمور، وجميع هذه العوامل وغيرها حجبت ظهور اللاعب السعودي خارجيا، وأثر ذلك سلبا على نتائج مشاركات المنتخبات الوطنية بكل درجاتها في المسابقات العالمية والقارية، وعدم قدرتنا على المحافظة على مكتسباتنا، خصوصا مع تطور دول القارة والعالم بشكل عام كرويا، وخير مثال اليابان وكوريا اللتان طبقتا معايير الاحتراف كما يجب وجنتا أثر ذلك، عندما قدمت منتخباتها بشكل تنافسي في التظاهرات العالمية وأصبح لاعبوها يمثلون أعرق الأندية الأوروبية، ولم يكن ذلك بالصدفة، حيث استفادت من الخبرات السابقة وإمكانياتها في ذات الوقت من حيث إتاحة فرص التسويق والترويج، وتطوير الأداء الميداني، مما مكنها من صناعة لاعب يمتلك جميع متطلبات اللعبة الحديثة من الناحية الاحترافية، في الوقت الذي نفتقد فيه نحن لأبسط هذه العناصر والمتمثل في تسويق الأندية التي يصر رؤسائها على وضع عراقيل وحواجز أمام احتراف وبيع لاعبيهم بهدف تحقيق الإنجازات، ولو تابعنا الوضع الخارجي نجد اختلافا في سياسة تعامل النادي مع اللاعب، وخير دليل نادي مانشستر يونايتد الانجليزي حين تخلى عن خدمات البرتغالي كريستيانو رونالدو بمبلغ خيالي بعد إيقانه بأنه قدم كل مالديه، وجنى بذلك الطرفين الفائدة المرجوة من الاحتراف. ثقافة الاحتراف ورأى وكيل أعمال اللاعبين خالد سلطان، أن افتقاد اللاعبين لثقافة الاحتراف سبب رئيسي في الغياب الإجباري، وهذا يعود لعدة عوامل لعل أبرزها افتقار الأكاديميات في الماضي، والتي من خلالها يتم إعداد النشء وإكسابهم معنى الاحتراف الحقيقي سواء على صعيد الانضباط في النوم والتدريبات، أو على مستوى الثقافة الفنية التي تساعدهم على تطوير إمكانياتهم، بجانب البيئة التي ولدت قصورا في فهم الاحتراف الرياضي الذي يبدأ أصلا من الناشئين حيث تكون مراحل التأهيل البدني والمهاري والفكري، كذلك عدم الاعتراف بكرة القدم كمهنة لها حقوقها وواجباتها، الأمر الذي ولد إشكالات كثيرة عند بعض اللاعبين، حيث يعانون بعد هجر الملاعب إما لإصابة أو لعناد الأندية أو أمور أخرى، من قلة المردود المالي وعودتهم من جديد للبحث عن بداياتهم بعد أن كان يشار إليهم بالبنان، ولا ننسى أن الأندية لها دور كبير في ذلك، حيث يفتقد معظمها للثقافة الاحترافية مع لاعبيها، يجب أن يمنحوهم الفرصة ليعيشوا مع حقيقة الاحتراف من خلال تأهيلهم كما يجب، وتصديرهم خارجيا ليحقق الطرفان الفائدة من أهداف الاحتراف الذي أصبح الآن صناعة تعتمد على المال والمهنية، وهذا في المقام الأول سيعود بالنفع على المنتخبات الوطنية، كما يجب عليها إنشاء أكاديميات للفئات السنية لتعليمهم أساسيات كرة القدم من مهارات، وأساليب تدريبية، وثقافية، وخصوصا الأخيرة التي ساهمت في شكل مباشر في عدم تقبل اللاعبين المحليين للاحتراف في أندية أوروبية صغيرة التي تكون عادة محطة للانطلاق للأندية العريقة، كما هو حال اللاعبين الأفارقة والعرب، وهذه مسؤولية التسويق الاحترافي الذي يعتبر ضعيفا لمحدودية الحلول من اللاعب والنادي ووكيل الأعمال، فللأسف نحن نفتقد للبنية الثقافية للاحترافية، اللاعب لدينا مرفه وفق نظام احترافي قد لا يجده في الخارج، خصوصا أن نظام الاحتراف الخارجي صارم ويتمتع بالحقوق والواجبات. رفاهية سلبية وأوضح الدولي السابق صالح الداود، أن أسباب متعددة حدت من تواجد اللاعب المحلي خارجيا، منها الرفاهية التي يجدها في الاحتراف الداخلي وتلغي لديه أهداف الاحتراف الخارجي، وعدم تأقلمه للعيش في غير مجتمعه لاعتبارات عديدة، كذلك الانضباط التي يتميز به عدد قليل من اللاعبين محليا وهذا يندرج تحته مواعيد النوم والتدريبات، والمحافظة على أداء التدريبات بانتظام، حيث نجد الكثير منهم يلعب وفق الطريقة التي تناسبه ويتدرب وقت ما يريد، بعيدا عن التدريبات القوية والنظام الصارم، إلى جانب سوء التعاون بين الأندية ووكلاء اللاعبين من الناحية التسويقية، وهذا أمر مهم جدا يجب تفعيل هذا الجانب بشكل جيد حتى يأخذ المسار الصحيح، وليس بالضرورة أن يتركز على الاحتراف الخارجي، من المفترض أن يستفيد جميع الأطراف من الفرص المتاحة، على سبيل المثال تسويق اللاعبين الذين لا يرغب المدرب مشاركتهم مع الفريق، بحيث يتم تسويقهم لمنحهم الفرصة في تمثيل أندية أخرى، وبالتالي يستفيد اللاعب والنادي والوكيل من هذه الخطوة، بدلا من احتجازه على دكة البدلاء وكتابة نهاية تواجده في الملاعب بشكل تدريجي، كما أن وكلاء اللاعبين يشتركون في هذه المسألة، لافتقادهم بعض النواحي الاحترافية في التعامل مع اللاعبين والأندية، حيث نجد تركيزهم منصبا على توقيع العقود، لابد أن يبحث كل وكيل عن السبل المؤدية لتطوير قدرات لاعبيه لترتفع أسهمهم، وبالتالي تحقيق مزيد من الاستثمار، مما سيعود بالنفع على الكرة السعودية في المقام الأول وعلى عناصر اللعبة ثانيا. صناعة اللاعب وأشار لاعب النادي الأهلي السابق وعضو لجنة المسابقات طارق كيال، إلى أن المعضلة الأساسية التي تقف أمام احتراف اللاعب السعودي خارجيا، تكمن في عدم تأسيس اللاعب احترافيا من الصغر، وبالتالي افتقاده للبرنامج الاحترافي الذي يتركز على عدة عوامل، أهمها الالتزام في التدريبات ومواعيد النوم، وكذلك متابعة برنامجه الغذائي الذي يجب أن يكون وفق بنية اللاعب الجسمانية، وهذه أمور تساعد على تكيف اللاعب من صغره على أساسيات اللعبة، يجب أن يتبعها لكي يصل لمرحلة نضوج أكبر، كذلك غياب دور الأكاديميات التي تمتلك كافة الإمكانيات والمواصفات الضرورية لصقل المواهب بالمفهوم العلمي عبر وسائل تعليمية تهتم بصناعة اللاعب من جميع النواحي، وليس اقتصارها على مبنى وملعب فقط، لاسيما أنها تعزز بجانب ما سبق ذكره، النواحي الفنية للاعب من حيث المحافظة على مصادر قوته، وتعزيز الضعيف منها ووسائل التدريب المختلفة، والثقافية أيضا بحيث يولد ذلك رغبة لدى اللاعب بأن يكون محترفا ويستطيع أن يعمل تسعين دقيقة بنفس الأداء والروح والفكر داخل الملعب وخارجه، عند تحقق ذلك نكون جاهزين لتصدير لاعبينا إلى أوروبا، خاصة أن مفهوم الكرة الحديث أصبح يعتمد على أمور كثيرة بخلاف ما كان سابقا بالاعتماد على المواهب فقط، وهناك أمر آخر ساهم في غياب الاحتراف الخارجي متمثلا في الأجور العالية التي يتقاضاها اللاعب محليا، مما جعلته يكتفي بما هو عليه كون فكره منصب على تحقيق المال وليس على غاية الاحتراف وأهدافه، وكذلك المجتمع الذي تعود عليه ويفتقد لثقافة الاحتراف الخارجي، بعكس اللاعب الأفريقي الذي يعتبر مؤسسا بشكل أفضل للاحتراف لتقبل مجتمعه لذلك، واستطاعته على التأقلم مع المجتمعات الأخرى، بخلاف لاعبينا الذين تؤثر عليهم الارتباطات الدينية والاجتماعية في اتخاذ قراراتهم، مما أعدم فرصة وجودهم في الملاعب الأوروبية رغم الإمكانيات التي يتمتعون بها.