في مقالي السابق الذي عنونته ب«صداقة الإنسان وصداقة الكتاب»، ثمة من رأى أنني لم أتعمق أكثر في تفصيل هذه العلاقة، وهناك من رأى أنني أوثر وأقدم صداقة الكتاب على صداقة الإنسان والأمر ليس كذلك. في رحلة المعرفة في بطون الكتب أنت أمام عالم يعطيك مفتاح الدخول إلى التاريخ وإلى كل العصور والأزمنة، ويمنحك الضوء الأخضر لاقتحام هذا العالم المجهول وإذا بك أمام خلاصة الخلاصة في الفكر الإنساني التي ترتكز على فكر عميق ورؤية فلسفية للكون والإنسان والوجود وفهم حقيقي بما ينبغي أن تكون عليه النفس الإنسانية من قوة وضعف وانتصار وهزيمة، وليس كل كتاب بالضرورة مفيدا ونافعا، هناك العشرات بل المئات من الكتب هي مواد ضارة لأن ليس فيها قيمة معرفية ولا إضاءة فكرية ولا تؤسس لشيء ولا يمكن لها أن تكون شيئا على الإطلاق، إن مكانها الطبيعي في غير أرفف وواجهة المكتبة، ذلك أن مكانها الطبيعي هو مكان النفايات، وهناك كتب تحرض على إشعال سؤال المعرفة والقلق الخلاق، وثمة كتب غيرت مسارات التاريخ الإنساني وأثارت معارك وحررت العقول والأذهان من فكر الخرافة.. وجعلت المجتمعات أكثر تحررا وخروجا من سلطة الماضي، ومؤلفوها ومبدعوها هم المفكرون الخلاقون الذين يزلزلون الثابت ليصنعوا المتحول، وتلك هي رسالة المفكر والفنان والمبدع ذلك الذي يحرث في الأرض ليبذر فيها بذور الفكر الجديد. وأسئلة المعرفة الجديدة تلك هي قيمة الكتاب وقيمة المعرفة، أما قيمة الإنسان فهي الأسمى والأرفع لأنها قيمة ترتكز وتستند على جعل هذا الإنسان قيمة مضافة إلى قيمة الحياة نفسها متى ما كان هذا الإنسان يرتفع إلى مستوى هذه القيمة، ذلك أن الحياة لا تكتمل وتتكامل إلا بوجود المعرفة في أبهى تجلياتها، والإنسان صانع هذه المعرفة وخالقها ومبدعها، ورقي هذا الإنسان وارتفاعه عن الدنايا والخطايا ينزله منزلة رفيعة وسامية وراقية ليرتفع ويسمو ويرتقي بالحياة. هناك من الأشخاص والأفراد هم كائنات ضارة في الحياة والمجتمع، وكذلك تماما هي تلك الكتب الضارة تماما هي تلك الكتب التي لا جدوى ولا نفع من اقتنائها، وثمة صداقات هي مجرد عبء على المرء وزيادة أرقام لا قيمة لها. إن الانتقائية في اختيار من تصادق ومن تصاحب ومن ترافق هي الأصوب والأجدى وهي ما تعطي مردودا حقيقيا على مستوى الفهم ومستوى المعرفة وكذلك اقتناء الكتب وماذا تريد أن تقرأ وماذا تريد أن تعرف. إنها أسئلة المعرفة، معرفة الإنسان أولا ومعرفة الحياة ثانيا، الإنسان الذي هو رمز هذه الحياة والذي يمثل قيمتها ورمزيتها وليس الإنسان المزيف والمعرفة الحقيقية وليست المعرفة المزيفة ولتكن حياتنا أسئلة مستمرة بحثا عن الإنسان المضيء وعن المعرفة المضيئة، إنها أسئلة المعرفة.