«العلاقة مع الكتاب» لا يمكنها أن تكون تلك «العلاقة» الحميمية والعميقة.. مالم تتحول إلى «صداقة".. ذلك أن الصداقة مرحلة متجاوزة.. ومتقدمة أكبر وأعمق من كونها مجرد «علاقة» فقط. الصداقة تنبني على «فهم» بمن هو معك وأمامك.. والذي هو شيء منك.. لاجزء منك فقط، وبين العلاقة والصداقة.. مسافة من الحوار.. والأسئلة.. والنقاش والكتاب يضع أمامك العالم وثقافات هذا العالم وحضارات هذا العالم.. دياناته مذاهبه - الزمن وتحولاته.. المجتمعات وتحولاتها.. يصبح العالم كله بين يديك، وإنتاج العقول وإبداعات الإنسانية في الفكر والفلسفة، عذابات الشعراء واحتراقاتهم.. غربة المفكرين والمثقفين وعذاباتهم وبحثهم عن عالم آخر أكثر جمالا.. وأكثر إنسانية، نظريات الفلاسفة وتأملاتهم.. والكتاب هو وجه آخر للحياة، بل هو حياة أخرى أكثر حرارة.. أكثر انغماسا وانغمارا في هذه الحياة في أتونها وجحيمها.. صداقة الكتاب بقدر ما تحمل من الغنى.. والثراء.. لا تغني في ذلك عن صداقة الواقع.. وصداقة الإنسان .. صداقة الإنسان «الحقيقي» لا المزيف هي الأبهى والأجمل والأعمق إذا تأسست على «فهم» لمعنى الصداقة - وكذلك فهم الواقع، يمكن أن تتحول إلى صداقة، ذلك أن صداقة الأشياء والأمكنه هي من الأهمية والعمق والثراء، ما يمكنها أن تؤسس لتجربة إنسانية عظيمة. صداقة المكان.. معرفة وصداقة الأشياء معرفة وصادقة الإنسان معرفة.. وصداقة الكتاب خلاصة هذه المعرفة - ذلك أن الكتاب يحمل خلاصة التجربة الإنسانية في أبرز وأعمق تجلياتها.. غير أن الحياة تحمل في حرارتها واحتراقاتها.. في جحيمها اليومي وفي عذوبتها وعذاباتها .. تحمل ماهو أعمق وأكثر صدقا.. من كثير من الكتب.. خاصة كتب التاريخ.. المكتوبة بحبر المنتصر والانحياز للقوي. إن صداقة الكتاب لا ينبغي أن تكون مع أي كتاب.. هناك كتب وما أكثرها لا قيمة لها البتة .. وكذلك هناك من البشر من لا يضيفون لك على مستوى الصداقة شيئا على الإطلاق. ثمة بشر يستحقون المحبة والصداقة وثمة كتب تتحول من القراءة لها.. إلى الصداقة معها وكذلك الأشياء والأمكنة وكل شيء جميل.. في الحياة. إنها حالة البحث عن «خير جليس» .. كما يقول المتنبي.. ليست مع الكتاب فقط ولكن مع كل ما يضيف ويضيء .. في هذا الكون الذي هو كتاب كبير.. وواسع ..وغني بالمعرفة والتجربة.. معا. [email protected]