لا شيء أكثر حرقة من فراق من نحب!! نحن نحترق لفراق الذين نحبهم حتى وإن كنا نعلم أنه فراق مؤقت ما يلبث أن يزول، فما بالك متى عرفنا أنه فراق أبدي لا لقاء بعده قبل يوم البعث!! رثاء أختنا العزيزة فاطمة العتيبي لابنتها رغد رحمها الله، كان قطعة من الشجن، معزوفة حزينة صيغت أنغامها بعفوية مشاعر الأم المتمزقة بفقد فلذة من روحها. فلم أتمالك نفسي بكيت مع بكاء فاطمة. رغد الجميلة لما تزل صورتها تلوح أمام عيني ونحن نجلس متقابلتين نقتسم طاولة في مطعم فندق دار الإيمان في المدينةالمنورة عندما كنا في ضيافة الجامعة الإسلامية في إحدى مناسباتها الثقافية، كانت رغد بجانب أمها تتحدث ببراءة الطفولة العذبة عن مدرستها وألعابها وأحلامها وغدها، تملأ قسمات وجهها البريء ابتسامة مضيئة كشعاع قمر يتلألأ في السماء. ما أسرع ما حل الفراق، كومضة برق، كرفة هدب فقدنا رغد !! ماذا بيد الوالد وهو يرى المرض يلتهم طفله فيلتهم معه قلبه وأعصابه ويتركه غريقا في بحر من الحزن واللوعة؟ ما أقسى أن يجد الوالد نفسه عاجزا عن حماية من لو بيده لافتداه بروحه!! مهما قيل عن تطور الطب وتقدم العلاج لا مفر من الانهزام أمام القدر المحتوم حين يحل الأجل المضروب. فما أقساها من فاجعة حين تتبخر الأحلام وتطير العصافير مرتحلة بفجائية تنخلع لها القلوب وتتمزق الأعصاب!! اللهم لا اعتراض على قدرك والحمد لك، الحمد لله الذي حين استعاد رغد من والديها عوضهما عنها ما هو أغلى، عوضهما بالإيمان به والتسليم بقضائه فمكنهما ذلك من الصبر والثبات والتحمل، وهي نعمة لا يدرك عظمتها سوى من أنعم الله عليه بها، فالإيمان طاقة نفسية هائلة، نتذكر الله ونتذكر أنه لايضيع أجر الصابرين وأنه سبحانه يبتلي عباده ليجزيهم أحسن ما عملوا، فتطمئن قلوبنا وتهدأ نفوسنا نرجو أن يكون ما أصابنا من الابتلاء مكفرا لذنوبنا رافعا لدرجاتنا، تصيبنا رحمة من الله فنرضى بما قدره علينا. فعسى أن تكون رغد شفيعا لوالديها وأن تكون مصيبتهما فيها رفعا لدرجاتهما وعلوا لمنزلتهما يوم اللقاء الأكبر.. حين كنت أعزي الأم الثكلى قالت لي: «لم أعرف المعنى الحقيقي لقول (الله يجمعنا بأحبتنا في جنات النعيم) إلا الآن، أحس أني فعلا مشتاقة لها، متلهفة لرؤيتها واللقاء بها».. لك الله يا فاطمة، مهما كتبت عن لوعتك وحزنك وخيبتك لا يكفي للتعبير عن غزارة ما بداخلك من ألم الفراق والبكاء المر المحتبس داخل الحلق، أكاد استشعر مدى الحنين الذي يأكل قلبك لأوقات هنيئة مرت كغمضة جفن حين كنت تنعمين بدفء أمومتك لرغد. ثمة آلام لانشفى منها، ثمة ذكريات لا نستطيع نسيانها حتى وإن زعمنا ذلك وتظاهرنا به. لا أحد يمكنه أن يستشعر لوعة الوالدين عند فقد ولدهما سوى والد مثلهما. أغدق الله على والدي رغد من رحمته أنهارا من الإيمان والأجر وحسن العزاء. فاكس 4555382-1