كان الهاتف هو وسيلة الاتصال التي تمكنت من خلالها أن أتصل بأخي الحبيب د. إبراهيم الجوير لأعزّيه في زوجته أم أيمن رحمها الله تعالى، لأن ظروف السفر لم تمكِّن من زيارته، وللعزاء عباراته الخاصة المعروفة التي يتداولها الناس، وكانت مكالمتي لأبي أيمن أحسن الله عزاءه وغفر لزوجته وجبر مصابه كذلك، ولكنَّ لون المكالمة وطعمها وأسلوبها تغير كلِّياً حينما كلَّمت أيمن الابن الأكبر للفقيدة رحمها الله، أنا أعرف مدى حب وتقدير د. إبراهيم لزوجته الراحلة، وأعرف أن فقدها ليس أمراً سهلاً على زوج عاش معها حلو الحياة ومرَّها، ولكنَّ إيماننا بقضاء الله وقدره يهوِّن المصاب، ويخفف من ألم فراق الأحباب. أما أيمن بن إبراهيم الجوير، فلا أدري كيف شعرت بعمق معنى الوداع، والفراق حينما كلَّمته، وكيف أحسست بأن البكاء سيغلبني وأنا أحدِّثه مع أنني لا أريد ذلك لأنَّ هدفي من الاتصال العزاء والوصية بالصبر، وما وجدت مهرباً من هذا الشعور إلا بأسئلة وجهتها إلى أيمن عن العمل والدراسة، قبل حديثي معه عن العزاء، ولكنَّ أيمن بعد أن عزَّيته وأوصيته بالصبر مع أني أشعر أنَّ نبرات صوتي قد كشفت شعوري بصعوبة الفراق، قال لي بصوت بدأت نبراته تميل إلى البكاء، ما زلت أذكر والدتي - رحمها الله- وهي تردِّد بيتا من الشعر لك، هنا انتهت المكالمة، وهنا أعطيت قلبي حقَّه من الإحساس بلوعة فراق الأم، نعم يا أيمن أقول ذلك لك ولإخوتك وأخواتك، فراق الأم صعب، ولقد أحسست به كلَّ الإحساس حينما فارقتنا والدتي رحمها الله تعالى، ولكني أوصيك بالتوجُّه الدائم إلى الله عزَّ وجل، وبشدِّ حبال الصبر الذي أمرنا به الله سبحانه وتعالى، ووعدنا عليه بأعظم الأجر. أتدرون يا آل الجوير بما يخفِّف من لوعة الفراق؟ نعم إنكم تدرون، فكلكم على مستوى من العلم والمعرفة -والحمد لله- ونحن وأنتم نؤمن بقضاء الله وقدره، ونحتسب الأجر عند الله، وفي الله سبحانه عوض من كل فائت، ولكن اسمحوا لي أن أحدثكم بتجربتي عن أفضل وسائل تخفيف ألم ولوعة الفراق، بعد طمأنة القلب بالإيمان والرضا بقضاء الله تعالى، إنه البرُّ المتواصل إلى الوالدة غفر الله لها، واصلوا برَّكم بها صدقةً ودعاءً وصلةً لأقاربها، ولأهل ودِّها، وإحساناً إلى من كانت تحب الإحسان إليهم، واستشعاراً لوجودها معكم بحنانها وعطفها وأمومتها، والترحُّم عليها مهما تباعدت بها السنوات، ففي ذلك -والله- من تخفيف الألم مالا يمكن أنْ يشعر به إلا من فعله، بل إنه يجلب إلى القلب من السعادة والرضا مالا تتوقعون. لقد رسم لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم الطريق الصحيح حينما قال: إنَّ القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عزَّ وجلّ. عزاءً من القلب للأخ الحبيب د. إبراهيم الجوير، ولأولاده جميعاً ولذوي وأهل زوجته الفقيدة أم أيمن رحمها الله. وأقول أخيراً ما أجمل ما أوصانا به ديننا الحنيف من التواصل بالدعاء والبر والصدقة في الحياة، وبعد الممات، وما أجمل ما دعانا إليه ديننا من الرِّضا المطلق بقضاء الله وقدره، والصبر المقرون بالبشارة بعظيم الأجر في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. إنها - أيها الأحبة - بشارة من رب العالمين، وحسبكم بها من بشارة عظيمة. إشارة : يا ربِّ ودَّعنا الأحبابُ واترحلوا=