رعشة مفاجئة تدب في أوصال الحركة التشكيلية تختلط فيها الرؤى وتتشابك الخطوط وتنفصم عرى كثيرة، تحسب أنها تختلف، وتتوهم معارك لا وجود لها ولا جدوى للتناحر حولها، إذا ما دعا داع للمناقشة والمداولة. وانشغل البعض بالكتابات المريحة والمسلمات الجاهزة والثرثرة الكاذبة واختلاق القضايا التافهة وعدم الموضوعية. وإنه لأمر يحزنني أن تضيق عليهم حلقة الاهتمامات بقضايا لا تشغل الفكر ولا تفجر في القلب عذاب الخلق الناضج وتوترات المغامرة الفنية! ولا شيء يدعو للشعور بالأسى والمرارة أكثر من تصور المرء أن ما يزرعه قد يصبح هشيما تذروه الرياح، وهل ثمة ما يثير الحزن أكثر من ذلك؟ تماما كالقصيدة التي لا تفهم والمقال الذي يضل طريقه إلى المتلقي.. ولماذا نذهب بعيدا، انها اللوحة حين تكتمل ويغيب عن أبعادها البعد الرئيسي المهم! ربما تكون هذه المقالة واحدة من المرات التي أشعر فيها بقدر غير قليل من التردد والالتباس، فالحالة التي أكتب عنها تحتمل قدرا كبيرا من الضبابية والالتباس. ثمة مصطلح يظهر بين فترة وأخرى يتكون من كلمتين فقط (موت القارئ) ينطلق هذا النعي دائما على أفواه المبدعين حين يكتشفون أنهم يصرخون في البرية، وأن ما يبدو صاخبا وساخنا بدواخلهم يصبح صمتا مطلقا وشيئا باردا كالثلج حين يخرج إلى المتلقي. ويبقى السؤال المتجدد دائما.. أين المتلقي؟ من المبدعين من يميل إلى الاستسهال وإبراء الذمة متهما المتلقي بالكسل وربما الجهل.. وعلى الجانب الآخر ستسمع صوت المتلقي الذي أعلنوا وفاته وهو حي يرزق يتساءل: أين الإبداع الحقيقي؟ وهكذا تزداد الهوة وتتسع وتتباعد بين المبدع والمتلقي، حتى تصل في بعض الأحيان إلى نوع من الخصام. كم من ندوات وفعاليات ثقافية لا يحضرها أحد من المتلقين، ولا يحضرها إلا أصحاب الشأن. وأخيرا.. من يردم هذه الفجوة بين المبدع والمتلقي؟ وبدلا من أن نسأل أين ذهب هذا أو ذاك، نتساءل أين ذهبا!