نشرت الصحافة المحلية أخيراً أن وزارة التربية والتعليم ألغت قرار ال «52 صلاحية» وهذه العبارة دسمة وجذابة إعلامياً وتفتح الشهية والفضول معاً، ولمن لا يعرف، القرار كان يحوي حزمة صلاحيات أوكلتها الوزارة لمدارس التعليم العام، وقد كانت في معظمها تأديبية بالمعنى النظري وليس العملي، فالعصا غادرت المدارس منذ زمن، وأذكر أن المدرسين في أيام الجبر والهندسة والحساب ومرحلة ما قبل الرياضيات، كانوا يتفنون في تزيين العصا بالأشرطة وبألوان فريقهم المفضل، ويمارسون الضرب بمناسبة أو بدون، وما زالت الذاكرة تحتفظ بصورة أحدهم، وأسلوبه المميز في الصراخ والتلويح بعصاه لتفريق الطلاب في المرحلة الابتدائية، حتى أن عصاه أو للأمانة أنبواب «التسليك» البلاستكي، لم يفارق يده في كل مرة شوهد فيها، وكأنه جزء من زيه المدرسي أو شخصيته التعليمية، ومعه مدرس آخر يلبس نظارة سوداء ومزاجه معكر دائما ولا يسعد إلا إذا ضبط طالباً متلبساً بمخالفة وقام بضربه، وأعتقد أن أمثال هؤلاء لا يجرؤون على ممارسة بطولاتهم في بيوتهم، أو أن لديهم مشاكل اجتماعية ربما احتاجت لاستشارة طبية، أو أنهم في أسوأ الأحوال مجرد ضحايا لضحايا ينقلون ما تعلموه ممن سبقهم، وهم يتحملون بدون شك جزءاً من عدوانية وتمرد الطلاب في مراحل الدراسة المتوسطة والثانوية وما بعدها، ولكل فعل ردة فعل معاكسة لها في الاتجاه ومساوية لها في القوة، أو مثلما قال اسحاق نيوتن. المهم أن إلغاء الصلاحيات المذكورة حيد الدور التأديبي للمدارس وأحاله إلى الشرطة، على أن تلتزم الأولى بكتابة محضر يوضح المخالفة تبلغ به الجهة المختصة في الوزارة، وهذا الدور المحال لم يكن يتجاوز دائرة الإجراءات الإدارية الناعمة، من نوع مطالبة المخالفين من الطلاب والطالبات بإحضار أولياء أمورهم وأخذ تعهد عليهم بعدم تكرار التجاوز، أو الفصل المؤقت والنقل من المدرسة وهكذا، والإحالة كان موضوعها الأبرز الكتابات المتحرشة على جدران المدارس أو ما وصف بأنه خادش للحياء والذوق العام كأرقام ال «موبايلات» و«البلاكبيري»، ولم يحدد مرحلة دراسية وإنما جاء عاما، ما يعني أن المشكلة منتشرة في المراحل على اختلافها، ولعل طريقة التعامل الخشنة مع هذه الخربشات، وما قد تؤدي إليه من متاعب نفسية واجتماعية لمن يخالف أو تخالف، تشير إلى أن القضية وصلت حدا لا يمكن السكوت عليه، خصوصا أن مفردة التحرش نفسها صارت لازمة لموضوعات كثيرة، منها على سبيل المثال، قانون التحرش الذي تباينت الآراء حوله بين مؤيد يؤكد عليه، ومتوجس يرى فيه مسوغا للاختلاط، والمفارقة أن القانون المختلف عليه ما زال قيد الدراسة في مجلس الشورى السعودي، وملامحه أو خطوطه العريضة ما زالت مجهولة، وأيضا تصريحات رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإحالة المعاكسين والمعاكسة شكل من أشكال التحرش إلى القضاء مباشرة بدون تحقيق، على خلفية فتح مراكز الرياض التجارية للرجال والنساء، وعدم قصرها على العائلات أو النساء كما جرت العادة، ولا أنسى ما نشر عن كتابات الشتم المدرسية للمخالفين والمذاهب وغيرها وإدراجها في قائمة التحرشات الطويلة. التحرش أصبح سيد الموقف في الصحافة السعودية، وحتى يفهمك الآخرون يجب أن تكون متحرشا أو متحرشا به أو مشاركا في عملية التحرش، وقد يأتي من يقول بأن الكلمات الجدارية في المدارس لا علاقة لها بالتحرشات من قريب أو بعيد، وأنها محاولة للتنفيس أو فن يستحق الدعم والرعاية، ويفتح باباً جديداً لتحديد هوية التحرش وما إذا كان علماً أو فناً أو حالة ولادة. binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة