للاستبداد ألوانه ووجوهه ودرجاته. فهناك استبداد مخملي وهناك استبداد دموي بلا عقل وبلا أدنى مشاعر إنسانية. تجد أحيانا بعض الهامش لقول الرأي في بعض الأقطار العربية، وفي ذات الوقت يتم تهميشه بالاستحواذ المطلق بالحكم ونوعية السياسات المصاحبة له كما كان في عهد حسني مبارك. استبداد معمر القذافي كان يختلف عن استبداد ابن علي، واستبداد حسني مبارك يختلف عن استبداد زين العابدين بن علي، واستبداد علي عبد الله صالح يختلف عن استبداد بشار وهكذا!.. هناك مقولة دائما ما يرددها البعض: (التاريخ يعيد نفسه). حرفيا لا يمكن ذلك. قال أحد المفكرين الكبار: (إن التاريخ يعيد ذاته مرتين: كمأساة وكمهزلة). الأسباب والنتائج متشابهة في أغلب حالات الربيع العربي أو في تلك التي جرت في الماضي غير البعيد مع الاختلاف في بعض التفاصيل الصغيرة، وهي كتشبث السيد الرئيس بالسلطة حتى الموت، وإطلاق وعود التسويف بالإصلاح في لحظة نشوة أو في لحظة حصار وضعف التي غالبا ما تكون غير جادة أو مجرد كلام ومسكنات وقتية تزول بزوال العارض الصحي الوطني. فالسيد الرئيس في بعض الدول الأخرى الذي يحكم بأمر الله منذ عقود لا يمكن أن يتصالح مع ذاته وشعبه! وهو الذي ولغ حتى الثمالة من دم الأبرياء والشعراء والحالمين بوطن جميل مصنوع من حرية وأمطار وبساتين. الدكتاتور لا يمكن أن يطلق الحريات بين ليلة وضحاها!.. لا يستطيع أن يغير جلده ودمه والأهم روحه، لا يمكنه أن يبدأ صفحة جديدة مع أبناء شعبه، فيسمح لكل أطياف المكون الوطني بالعمل تحت الشمس وبعيدا عن زوار الفجر، وهو الذي اعتاد على تدجين وتركيع وطنه!. كيف لواحد يجيد فن المؤامرات والقتل الرحيم ويعتمد على الأجندات العشائرية والطائفية التي لا تؤمن بالحريات ولا تحترم رأي الأكثرية ولا تعرف حقوق الأقلية؟!، المستبد لا يمكنه الذهاب إلى بيته هكذا بسبب قرار ورقة الصندوق بعد كل سنوات الاستفراد بمقدرات الوطن. والمضحك أن معمر القذافي وهو الذي تنبأ ذات تجل لبعض الأنظمة العربية بنهاية مأساوية مماثلة لنظام صدام حسين لم يستوعب الدرس. ولم يستوعب ما حدث في دول الربيع العربي المجاورة له. هل كان يعيش في غيبوبة/ هلوسة ؟!، في الأخير قبض عليه مختبئا في أنبوب صرف صحي كما حدث مع صديقه صدام حسين الذي وجد مختبئا هو الآخر في حفرة. ثم لقيا ذات المصير: الموت.. والسيد بشار الأسد، لم يشذ عن قاعدة أهل الاستبداد رغم صغر سنه وتعليمه الغربي، هو الآخر أتى بوعود إصلاحية في خطاب التنصيب الشهير، ولكنه كان دمية بيد الحرس القديم الذي لم يسمح له ولحرسه الجديد بتنفيذ بعض تلك الوعود الصغيرة، فرأينا وأد (ربيع دمشق) وقمع أهله الذي انتهى بتاريخ 17 فبراير 2001م، بعد قيام الأجهزة الأمنية آنذاك باعتقال رواد ذلك الحراك، وهم كوكبة من المثقفين والكتاب ونواب مجلس الشعب وبالتالي تم تجميد أنشطتهم وإغلاق منتدياتهم السياسية.. قبل قرون، كتب ابن خلدون في مقدمته لعلم العمران: (إن الظلم يؤذن إلى خراب البلاد، وانهيار العمران). وهو ما حدث في كثير من الأوطان ويحدث الآن في سوريا. إنه الاستبداد الذي بلا عقل، والذي يلغي البصر والبصيرة!!. [email protected]