يفاجأ الزائر الأجنبي عند زيارته الأولى لمدينة جدة ... بتواجد أعداد كبيرة من المتسولين ، يملأون شوارع جدة وطرقاتها.. المملوءة أصلاً بالكثير من المآسي الأخرى.. سواء المرورية.. أو رداءة السفلتة والترصيف، أو مايشوهها من المطبات والحفر ، وكذلك تعثر الكثير من مشاريع الطرق والكباري والأنفاق.. مما أدى إلى إقفال هذه الشوارع وزيادة الازدحام المروري فيها لسنوات طويلة مملة... ووقتها سيكون أول انطباع لهذا الزائر - غير إيجابي طبعاً – لما يشاهده من مناظر غير سارة في هذه الشوارع المهترئة.. وخاصة بعد ملاحظته لكثافة أعداد هؤلاء المتسولين والمتسولات وأطفالهم الصغار المنتشرين في كل مكان كالمساجد والطرقات والأسواق وعند معظم إشارات المرور ، مما يؤثر على الواجهة الحضارية لعروس البحر الأحمر - والذي أعتقد أنه قد طلقّها منذ زمن بعيد - وقد كان الزائر الأجنبي يتخيلها في صورة أبهى وأجمل بكثير مما وجدها عليه ، ونجد أن معظم هؤلاء المتسولين من الأجانب الذين يشكلون عصابات منظمة لمزاولة مهنة التسول...مستغلين تهاون العديد من الأجهزة المختصة ، وفي مقدمتها مكاتب مكافحة التسول- والتي تقوم بعدد قليل من الحملات الخجولة والمتباعدة من فترة لأخرى- وتقدم أكثر- الحجج والأعذار لتبرير تقصيرها وتهاونها إزاء هذا الموضوع. ولا ننسى أن هناك العديد من الإدارات والجهات المسؤولة الأخرى تتهاون أيضا في القيام بمسؤولياتها وواجباتها تجاه هذا الموضوع. ومن الواضح أن تزايد هذه الأعداد من المتسولين – والذين يشكل الأجانب منهم أكثر من 90% حسب آخر الإحصائيات- تُفزز الكثير من المشاكل والآثار الضارة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على المجتمع. وخاصة أن فتوى الشيخ ابن باز – يرحمه الله - تدعم ذلك( لتأكيد عدم جواز بل تحريم إعطاء هؤلاء المتسولين المنتشرين في الشوارع أي مساعدة مالية )لأنهم عبارة عن تجمعات متكتلة تستخدم كافة وسائل النصب والاحتيال والتمثيل والمخادعة ، بل إنها لا ترعوي عن استغلال العنصر النسائي والأطفال الصغار الذين يُجبرون على ذلك – بدون أي رحمة أو إنسانية – لاستدرار عاطفة المواطنين السعوديين واستغفالهم – الذين هم من مشجعي التسول بدون قصد – ويمكن للنسبة الضئيلة من السعوديين -المتسولين- حثهم لطلب المساعدة من وزارة الشؤون الاجتماعية ومن الجمعيات الخيرية المتعددة. وكذلك التوجه لطلب العمل الشريف والمساعدة اللازمة- وهي متوافرة في وطننا العزيز المعطاء- لمن يرغب في ذلك. ولكن... ما هو الحل ؟ في البداية.. يتوجب دعم الأجهزة المتخصصة في هذا المجال – وخاصة مكاتب مكافحة التسول – بأعداد كافية من الأفراد ذوي الصفة الرسمية ، بل ومن المتطوعين من المواطنين المخلصين – وخاصة من الشباب وهم كُثر– وتنسيق جهود جميع هذه الأجهزة المسؤولة، وبدء التشدد في إجراءات منع التخلف ومراقبتهم بكل وعي وجدية ، مع وضع حزمة من الإجراءات والعقوبات الرادعة مثل السجن والجلد والغرامة- وعدم الاكتفاء بالترحيل مع ضمان عدم العودة مجدداً – لمن يُمارس مهنة التسول من الأجانب . بجانب تكثيف حملات إعلامية موسعة – عن طريق جميع وسائل الإعلام – لتوعية المواطن بشكل منطقي ومدروس – لإقناعه بعدم التجاوب –عاطفياً- مع طلبات هؤلاء المتسولين... وتوجيه عطاءاته السخية إلى كافة الجهات المحتاجة من الأسر السعودية والجمعيات الخيرية الموثوق بها... ولنتحد جميعاً لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة التي تؤثر على مظهرنا الحضاري و تعزيز وضعنا الاقتصادي و الاجتماعي والأمني... في ظل توجيهات قائدنا المفدى خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله وأعزه- . * أكاديمي ومستشار مالي واقتصادي [email protected]