دائما يقال عندما تطول الأزمات السياسية تتعقد الحلول، وهذا الأمر ينطبق تماما على الثورة السورية، فالثورة التي انطلقت من درعا مطالبة بإسقاط النظام ثم امتدت إلى كل المدن والمحافظات السورية تدخل عامها الثاني دون أية استجابة من قبل الأسد للمطالب الشعبية، بل إن النظام يعيش في عالمه الخاص من ألعاب الكمبيوتر والموسيقى الغربية كما أظهرت الرسائل الإلكترونية المسربة الخاصة به.و يترك سورية على بركان من الحقد والانتقام والكراهية بعد أن كانت الثورة السورية نجحت في خلق شعور توحيدي بين كل مكونات الشعب السوري بشكل لا مثيل له في الثورات العربية الأخرى، لكن سورية اليوم بسبب الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قبل مليشيات الأسد، والتي أقرها مجلس حقوق الإنسان الأسبوع الماضي تكاد تكون البلاد على حافة حرب أهلية لا حدود لها، حيث تمعن الأجهزة الأمنية التابعة للأسد في التحريض الطائفي والمناطقي بقصد تفتيت وحدة السوريين وتأليبهم ضد بعضهم البعض بما يضمن استمرار النظام، وهو ما أصبح من المستحيلات. إذ بعد مرور سنة من التخطيط الماكر للنظام، يبدو الشعب أكثر تماسكا، وهو ما يفسر هيستيرية النظام في استخدام العنف إذ فشل في إحباط الثورة وضرب لحمة الشعب. وأمام التفوق النوعي بين قدرات مليشيات الأسد التي تتلقى الدعم والسلاح من إيرانوروسيا، على الجيش السوري الحر الذي مازال يستخدم أسلحة خفيفة ومتواضعة لا تقارن بتلك التي يستخدمها النظام، وفي ظل هذه الممارسات اليومية بحق الشعب السوري، أصبح من الواضح أن لا إمكانية لأي حوار مع الأسد، وأصبح الخيار الوحيد أمام السوريين هو التدخل الدولي من أجل قلب توازن القوى لصالح الثورة السورية عبر فرض المناطق الآمنة، وفرض الحظر الجوي الجزئي فوقها والقيام بضربات جوية عسكرية ضد أهداف محددة، خصوصا ما يتعلق بالترسانة الصاروخية التي طالما يباهي فيها النظام السوري. لكن فرض كل هذه الإجراءات يحتاج إلى غطاء قانوني دولي عبر مجلس الأمن، غير أن المجلس وبعد مرور أكثر من عام كان عاجزا تماما عن إصدار قرار واحد لإدانة العنف المستمر الذي تقوم به الحكومة السورية حيث استخدمت روسيا الفيتو مرتين خلال أقل من عام من أجل حماية النظام السوري، وبذلك أصبح من الضروري التفكير في الخيارات الأخرى التي يجب اتباعها من قبل المعارضة من أجل حماية الشعب السوري عبر بناء تحالف يكون إطارا دوليا للتدخل من خارج إطار مجلس الأمن، وهو ما جرى في حالات مشابهة في كوريا في الخمسينيات من القرن الماضي، أو في البوسنة والهرسك في التسعينيات حيث كان مجلس الأمن عاجزا تماما عن اتخاذ القرارات الخاصة بحماية المدنيين بسبب الفيتو الروسي، أو السوفييتي سابقا، ولذلك أتى عقد المؤتمر الأول لأصدقاء الشعب السوري في تونس في شهر شباط الماضي بعد استخدام الفيتو الروسي في مجلس الأمن حيث شارك ممثلون عن أكثر من ست وخمسين دولة على مستوى وزراء الخارجية، وقد تركز على تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية للشعب السوري بعد منعها من قبل نظام الأسد وعصاباته، ولكن بسبب غياب أجندة واضحة محددة للمؤتمر فإن الآمال المعقودة عليه لم تكن بحجم التوقعات، ولذلك فإن الأنظار تتطلع إلى مؤتمر إستطنبول والمسمى بأصدقاء سورية، والذي نأمل أن يشكل نقطة انطلاق وتحول في الأزمة السورية عبر تحقيق التدخل الدولي الضروري لإنقاذ الشعب السوري عبر فرض المناطق الآمنة، وهو ما أعلنه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، من أن الحكومة التركية تدرسه بعناية وجدية، فإذا ما اتخذ قرار على مستوى دول أصدقاء الشعب السوري فإن ذلك سوف يعطي غطاء للتحرك الدولي ضد الأسد ويشجع الحكومة التركية على تطبيق المناطق الآمنة وحمايتها على طول الحدود التركية السورية داخل الأراضي السورية وهو مطلب طالما طالب الثوار به وأصبح يشكل أولوية لحماية الجيش السوري الحر وتشجيع المزيد من الانشقاقات داخل جيش الأسد. وهو الأمر الذي يعول عليه الجيش الحر، إذ طالما قال ضباطه إن هناك الكثير من الفرق العسكرية مستعدة للانشقاق مع سلاحها في حال توفرت المنطقة الآمنة. إن مؤتمر أصدقاء سورية هو الأمل، لكنه ليس الوحيد في طريق إسقاط نظام الأسد، إذ أن عزيمة السوريين مازالت بمعنويات مرتفعة في الداخل رغم القمع المتواصل بكل الأدوات الرهيبة. ما يميز الثورة السورية، أنها ورغم مستوى الدم في الداخل، إلا أنها وبغض النظر عن كل ما قيل عن المجلس الوطني، فما زال الشعب متمسكا بهذا المجلس، وهو ما يعبر عن وعي سياسي للشعب، وإدراك حقيقي لضرورة التغيير والخلاص من أربعة عقود من الفساد والظلم.