تنعقد القمة العربية في بغداد في زمن ومكان غير مناسبين، وإن كان الحديث عن الزمن فإن المقصود هو الزمن السياسي الذي يعصف في العراق، حيث حكومة الوفاق الوطني فقدت صفتها الوفاقية ونائب الرئيس (طارق الهاشمي) ملاحق لأسباب رائحة الطائفية تفوح منها، فيما المكان وإن كان عزيزا على قلوب العرب كل العرب إلا أنه يفتقد للغطاء الأمني المطلوب لحشد القيادات العربية والضيوف من القيادات الدولية، فمسلسل الأمن المفقود ما زال متواصلا في العراق بشكل يومي بحيث لا يمكن لأية سلطة سياسية، أو عسكرية أن تقدم الضمانات الأمنية لمثل هكذا استحقاق كبير. على خلفية كل ذلك وفي القراءة السياسية لقمة بغداد المفترضة، فإن القمم العربية قد آن الأوان كي تكون قمما منتجة ومفيدة عبر بحثها بجدية وفعالية قضايانا العربية الكثيرة وبخاصة ما يتعرض له الشعب السوري في هذه المرحلة العصيبة. فالوضع الأمني الذي تعيشه العاصمة العراقية بغداد منذ سنوات وضع غير مستقر حيث لا تتوقف العمليات الإرهابية، وفوق كل ذلك النزاعات الداخلية بين الأطراف العراقية، فالكثير من العناوين وبخاصة المسألة الأمنية وتدخل دول غير عربية بالشأن العراقي يجعل من قمة بغداد دون أدنى شك قمة غير منتجة. من هنا كان الأجدى تأجيل هذه القمة لوقت مناسب يسمح للقادة العرب الاجتماع لبحث قضايا هذه الأمة بصورة فعالة ومنتجة، فالمواطن العربي من المحيط إلى الخليج ينتظر نتائج إيجابية من هذه القمة وليس خيبة أمل. فقمة بغداد بالظروف المحيطة والظروف المكونة لن تقدم إلا خيبة أمل عربية، فلا قدرة لهذه القمة على إرضاء الحدود الدنيا للآمال والطموحات العربية. إن التمثيل العربي الضعيف المتوقع في قمة بغداد يفرغ هذا اللقاء من فعاليته وأهميته، فالوضع الأمني يفرض تمثيلا هزيلا في القمة مما يعني أنه من المستحيل أن تنتظر نتائج وقرارات تواكب التحديات والاستحقاقات التي تواجهها الأمة العربية وهي تحديات كبرى واستحقاقات على قدر كبير من الخطورة. إن العرب وسط هذا التغيير والحراك الذي يشهده العالم العربي يحتاج إلى قمة عربية فاعلة قادرة على اتخاذ القرارات، فالوضع العربي ليس بحاجة إلى صورة تنشر في الإعلام، والعراق لن يستفيد من انعقاد القمة في بغداد لمجرد الانعقاد بخاصة بعدما بات القرار العراقي السياسي الحقيقي يخضع لعدة وجهات نظر، وهذا ما لاحظناه مؤخرا في السجال بين رئيس الحكومة نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود البارازني. بغداد في هذه الظروف لا يمكن أن تلعب دورا رياديا عربيا في هذه الظروف، فرئاسة القمة العربية لديها واجبات تجاه القضايا العربية، وهذا ما لا يمكن لبغداد أن تلعبه في هذه المرحلة التي تشهد الكثير من علامات الاستفهام حول موقفها مما يحصل لشعب سورية، والكثير من علامات الاستفهام حول اللعبة السياسية الداخلية التي تتحرك وفقا للإيقاع الطائفي. إن الأمة العربية بحاجة إلى قمة عربية تحضرها كافة القيادات العربية المؤثرة لكي تكون قمة قادرة على اتخاذ قرارات بحجم الطموح العربي، وقادرة على إيجاد الحلول المطلوبة لكل المشاكل العالقة والتي بحاجة إلى حلول سريعة، هناك شعب سوري لاجئ في المخيمات، وهناك مجازر في سورية وفي فلسطينالمحتلة، وهناك دول مهددة بالتقسيم، فكيف يمكن لقمة بتمثيل هزيل أن تعالج كل هذه القضايا الساخنة. فقمة بغداد وفقا للمعطيات المتوفرة ستكون قمة هزيلة،لا لون ولا طعم لها، لا، بل ستزيد خيبات الوطن العربي خيبة جديدة، وستكون قمة غير منتجة، ففي هذا الوقت العصيب الذي تمر فيه الأمة العربية بأمس الحاجة لقمة عربية منتجة وليس قمة شكلية. المطلوب قمة تحظرها القيادات الكبيرة، وأن تعقد في منطقة آمنة. فالقمة في بغداد إعلان مسبق أنها قمة ضعيفة غير منتجة. قمة بغداد وإن كانت ستعقد بمن حضر، وبالمستوى المتوفر فإن المخاوف الكبرى ليست في انعقاد هذه القمة أو عدم انعقادها، بل ستتمحور في السلوك السياسي لرئاسة القمة في المرحلة المقبلة وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا العربية الساخنة وعلى رأسها الأزمة التي تعصف بالشعب السوري، لأن التحدث باسم رئاسة القمة خارج القرار العربي الجامع الرافض للمجازر التي يرتكبها النظام السوري ستكون بمثابة جريمة قتل جديدة ليس بحق شعب عربي، بل بحق أمة عربية.