ثمان وخمسون جامعة وكلية حكومية وأهلية ترسم مشهد التعليم العالي المحلي الذي يتباين في المستوى العلمي، والتجهيزات وجودة المخرجات، وفقا للرؤية والمكان والزمان ونمط القيادة. وضع الجامعات انعكاس لممارستنا الثقافية في بناء بعض التجارب الوطنية طبقا لمعايير وأهداف واضحة لتتشكل لدينا مدارس ومستشفيات وجامعات ومؤسسات ناجحة لكنها قليلة العدد، والباقي تولد ضعيفة لأسباب مختلفة. بقيت الجامعات لعقود طويلة بعيدة عن الأضواء وتعمل براحة في افتتاح الكليات والأقسام وتصميم البرامج الدراسية، ولم يكن مصطلح سوق العمل واحتياجاته طاغيا وملحا كما هو الحال اليوم، ولم تنتبه إلى أهمية وجود رؤية ورسالة مكتوبة وأهداف قابلة للقياس ضمن منظومة من الخطط الاستراتيجية كي تستطيع مجابهة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. ساهم الإعلام الجديد في إبراز جملة من التحديات تواجه الجامعة كمؤسسة يتطلع المجتمع إليها لتقديم حلول لإشكالات التنمية المحلية. أول هذه التحديات عدم استغلال الجامعات الحكومية إداريا وماليا مما أدى إلى استمرار ضعف النتاج المعرفي، وقصور عمليات التعلم والتعليم وخدمة المجتمع وهو الثالوث الذي تتأسس الجامعة من أجله. تحد آخر يتعلق باستجابة الجامعة لضغوط المجتمع لقبول أعداد كبيرة من الطلبة وهي غير مهيأة ماديا وبشريا، مجازفة بمبادئ الجودة والسلامة وخصوصا في مجمعات البنات؛ فكيف لآلاف الطالبات أن يحشرن في قاعات محدودة والمتنفس الوحيد ممرات ضيقة وساحات صغيرة، وأكشاك تسمى جدلا مطاعم تقدم وجبات متواضعة وغالية الثمن، مع وجود مشرفات غلاظ شداد، وهذه الأوضاع لا تنكشف إلا في أوقات الطوارئ كالحرائق ونحوها. الطلاب الذين يمثلون حجر الزاوية في هذه السياق لا يتأقلمون مع الثقافة الجامعية بالسرعة المطلوبة والتي تنبني على عدد من الفرضيات حيث تنقصهم الكثير من المهارات والسلوكيات الإيجابية لخوض الدراسة، ولا يمارسون القراءة الجادة ومحاولة التعلم إلا أوقات الامتحانات ويخرجون بحصيلة معرفية هشة ومهارات ضعيفة والبعض يتسرب قبل إكمال الدرجة الجامعية، وأستثني هنا النخب المتميزة من الطلبة عبر الأجيال الذين استطاعوا تحويل التحديات المتعلقة بمحدودية الإمكانيات البشرية والمادية إلي فرص بالاعتماد على الدعم العائلي وقدراتهم المعرفية والمهارية. الأستاذ الجامعي من جانبه تأقلم مع هذا الوضع وانشغل باهتماماته الخاصة وأبحاثه لأن الطالب في العموم لا يحفزه على تقديم الجديد، ويكتفي بالحدود الدنيا في مجال التخصص. هناك حاجة إلى عمليات إصلاح واسعة النطاق للجامعات القائمة وافتتاح جامعات نوعية جديدة تلبي الاحتياجات الفعلية للمجتمع، والتأكد من جاهزيتها لاستقبال طلبتها وأساتذتها بشكل يليق بتطلعاتنا وإمكاناتنا المادية. •أكاديمي وكاتب للتواصل: Facebook.com/salhazmi1