كما أن الحب حياة ونماء، هو أحيانا سم قاتل، والخيط الفاصل بين الحياة والموت بيد الحب، هو معرفة مقدار الجرعة اللازمة منه. وربما لهذا السبب قيل (ومن الحب ما قتل)، ففي بعض الأحيان يدفعنا الإفراط في الحب إلى تعاطي جرعة كبيرة منه فتنشر السم في أبداننا بدلا من أن تنشر الصحة والعافية. نحن نحب ديننا ونحب بلادنا ونحب أبناءنا وإخواننا، نحب الخير للجميع ونحب أن تفرد السعادة أجنحتها على عالمنا، فيقودنا أحيانا طعم الحب اللذيذ إلى الإسراف في جرعة الحب التي نمدهم بها، فإذا بنا من حيث لا نشعر، نسممهم بأيدينا وإذا بمن كنا نرجو حياتهم يتساقطون ضحايا بين أذرعنا. وغالبا تزيد جرعة الحب أكثر ما تزيد في أزمنة المناسبات العامة أثناء الاحتفالات بالأعياد أو في معارض الكتب أو في الملتقيات الثقافية والترويحية وفي المهرجانات العامة. في معظم الحالات، حين يفيض الحب في القلوب، تطفو معه الحماسة والرغبة الملتهبة في نشر الصلاح وحماية المجتمع من الفساد، فيندفع المحبون إلى التدخل عنوة في الإشراف على سلوك الناس ومراقبة تنظيم أسلوب حياتهم، مصغين لما تخبرهم به عين الحب من أن بعض الأشياء مائلة ويجب عليهم التدخل لتعديل ميلها. وحين ينساق المحبون وراء رؤية عينهم المحبة، يفوت عليهم إدراك أن ما تقوله تلك العين لايكون صدقا دائما، وإن من قال (الحب يعمي ويصم) لم يكذب أبدا. ليس هذا فحسب وإنما أيضا يفوت عليهم إدراك حقيقة أخرى، هي أن طغيان الحب على القلوب يعميها عن رؤية مختلف الجوانب فتركز رؤيتها على جانب وحيد تنشغل به عن غيره مما قد يكون جميلا ونافعا. وخلال الأيام الماضية ارتفعت بعض الأصوات المحبة تندب حدوث ما وصفته بتجاوزات سلوكية من بعض الحضور في مهرجان الجنادرية (27) وأرادت تصحيح ذلك باجتهادات منها، فلما لم تستطع، انقلبت على عقبيها تنشد إسقاط المهرجان وترتل أهازيج الهجاء حوله. لقد عميت تلك العيون عن رؤية الخير الذي يحمله مهرجان الجنادرية للبلد وأهله، فهو ليس مجرد معرض للتراث والتاريخ، وإنما صار موردا اقتصاديا مهما، فأثناء فترة المهرجان تقام أسواق يجري فيها من النشاط وحيوية البيع وتسويق بعض البضائع بمقدار يفوق ما يجري خلال العام كله، مما يمثل موردا اقتصاديا منعشا لكثير من المواطنين العاطلين والباحثين عن الكسب الحلال. وقد عرفت من سمو الأميرة نورة بنت محمد، وهي الشهيرة في مجال دعم الخدمة الاجتماعية، والنشطة في عالم رعاية الأسر الفقيرة، والواقفة بقوة وإخلاص وراء برنامج حرفة وغيره من برامج التنشيط الاقتصادي للأسر الفقيرة، عرفت منها كيف أن نساء فقيرات يأتين من القصيم إلى مهرجان الجنادرية بالرياض فيبعن بضائعهن في سوقه بما يعود عليهن بدخل وافر يكفيهن للعام كله، فيعلن أنفسهن وأسرهن من كسبهن خلال أيام هذا المهرجان من العام إلى العام. إن النظرة المتبصرة الواعية يمكن لها أن ترى كيف أن تسعة ملايين زائر للمهرجان (حسب تصريح سمو الأمير متعب بن عبدالله في صحيفة الرياض يوم الأحد الماضي)، يمكن لها أن تنعش الاقتصاد وتمد الباحثين عن الرزق من العاطلين وخالي اليد من العمل بفرص رائعة للتكسب ومكافحة الفقر. فإقامة المهرجانات في مختلف دول العام تعد فرصة لتحريك الركود الاقتصادي وتوفير فرص الكسب المباح للراغبين فيها والباحثين عنها، فلا تجعلوا حبكم سما يقتل تلك الفرص ويسد أبواب الخير في وجوه العباد. فاكس: 4555382 1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة