المهرجانات الوطنية كموسم سنوي معتاد ممارسة معروفة في كثير من دول العالم ,تتم عادة في الربيع, أو في الخريف. وتأتي كموسم للترفيه بصورة رئيسية, كما في الماردي جراس «أربعاء الرماد» في لويزيانا, و»الكرنفال» في البرازيل, و»الجُزر» في بريطانيا, والزهور في هولندا, والحصاد في ألمانيا, والموسيقى في النمسا, والهولي في الهند ورأس السنة الصينية في الصين, ومهرجان براعم الكرز في اليابان. وكثير غيرها المشترك فيها أن يخرج الملايين للإبتهاج سويا بشيء ما قد يكون دينيا أو زراعيا أو غيره مما يرتبط بذاكرة انتماء مشترك. مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث من أهم المشاريع التي تبرعمت وسمقت في الثلاثة عقود الماضية. تابعته منذ أول تبلوره كفكرة محلية التركيز, وشاركت في عدد من احتفالاته على مدى العقدين الماضيين كمديرة لنشاط ثقافي ومشاركة فيه وشاعرة ومكرّمة.. تجربة مثيرة ومثرية وجدانيًا. ومن منطلق اهتمامي التخصصي بالتنمية الشاملة ,أدركت منذ بداياته أن فكرة المهرجان تحمل نواة لمشروع أكبر وأعمق وأكثر عطاء ومردودًا. وعلى مدى السنين تأكد لي ذلك وأنا أتابع تطور الفعاليات ومشاركة كل المناطق فيها باهتمام شديد. لقد استقطب هذا المشروع اهتمام الناس فكان بداية الربط بين مشاعر الإنتماء الإقليمية ومشاعر الإنتماء الوطنية حيث التميز علامة أصالة تُعلن ويُعتز بها, وليس انشقاقا وفرقة تحارب وتكبت. وهذا في حد ذاته تميز ومكسب عظيم خاصة في زمن التخبط القائم الذي تتصاعد فيه الصراعات والتأجيج وتستنفر كل نواحي الإختلاف كمبرر للتنافر والإقصاء الذي ينخر الإنتماء. ولكن الأمر يتعدى هذا المكسب في حد ذاته,ويمكن أن يكون نواة استثمار مستدام اقتصادي وثقافي وتربوي ومجتمعي وبمردود يستفيد منه الجميع على مستوى الوطن والحكومة والأفراد على كل المستويات. أما وقد تجذر مهرجان الجنادرية وأصبح حقيقة تجسدت في برامجه ونشاطاته ومنشئاته ومبانيه وزواره بالملايين؛ فأجزم الآن كمتخصصة في التخطيط أن النواة القابلة للتنامي قد تكون جاهزة للمشروع الأكبر ,حيث احتمالات التنامي والمزيد من العطاء على جبهات عدة. اقترح على الجهات المعنية بمهرجان الجنادرية النظر في هذا المشروع التنموي بجدية؛ وأنا على استعداد لتقديم المشورة للتخطيط . وأشير إلى هذه النتائج المتوقعة: لو شغلنا الجنادرية طول العام بتذاكر دخول رمزية: 1 - ستوفر آلاف فرص التوظيف للعاطلين من الجنسين من الشباب والحرفيين, والصيانة والحراسة والأدلاء المدربين . إلخ 2 - ستكون موقعًا دائمًا لتثقيف طلبة المدارس عن تاريخنا. 3 - موقع رئيسي للسياحة داخليًا للأسر والباحثين وزوار البلد من الخارج. 4 - ستقدم فرصا لإظهار إبداع الموهوبين المحليين 5 - وأخيرا وليس آخرا ستكون مصدر دخل للجميع : للجهة المشرفة عبر عبر تذاكر الدخول وإيجار بسيط من أصحاب المحال المستأجرين, والأفراد ممن يبيعون منتجاتهم، وللموظفين العاملين في الموقع, وللجهات التي ستقدم برامج ترفيهية على مدار العام. تحية محبة وإعزاز للوطن ولراعي الجنادرية ومن ارتقى بفكره ليرى فيها مشتلا للإنتماء الوطني. كل عام ونحن والوطن في استفادة دائمة من إزهار وإثمار الانتماء. وهكذا تكون الاستدامة لمواسم حصاد متنامية بإذن الله.