يقول أحد حكماء الغرب: (من يحتمل عيوبي فهو سيدي حتى لو كان خادمي) ! ولو أن هذه المقولة الذهبية سادت بيوت الزوجية ، لما واجهنا هذا السيل الهادر من حالات الطلاق المبنية على أسس تافهة ، أولها الجدال وآخرها تجييش النفس ضد أخطاء الطرف الآخر ، ونسيان أخطاء النفس ، وهي مهولة وكبيرة. في بيوتنا سيادة كبرى لتقدير الذات وكأنها لا تخطئ أبدا ، فلا يصدر منها إلا الصواب لا غير. ولذا عندما يحدث التنازع أو الاختلاف تتطور الأحداث بسرعة لأن كلاً يحمل سلاح الشعور بالعصمة الذي لا يدع فرصة للتراجع أو التروي. وعندما يحدث هذا يرفع صاحب سلاح الطلاق سيفه البتار ، فيعلن الفراق وهدم الدار على رؤوس من فيها خاصة الأطفال والأبناء ، وليذهب الجميع إلى حيث شاؤوا فيما هو ثابت على ما زينت له نفسه معصوماً من الخطأ مبرأ من العيب خالياً من القصور. وما أجمل ما قاله الحكيم غاندي: (الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء ، وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء). وتلك حقيقة ما يجري في أغلب البيوت المهدومة التي لا تقدر العالم الواسع لأبواب الاختلاف في الرأي ، فتحصرها في مفهوم إما الإذعان أو الطلاق. وللأسف الشديد ، فهذه الفلسفة العوجاء هي امتداد لثقافة تكريس الرأي الواحد ، والضيق بالرأي المخالف حد التبرم ، بل والتسفيه والإقصاء. وكنا إلى وقت قريب نخضع للفقه الواحد حتى مع اتساع وتعدد أبواب الاختلاف ، فلا يصح الحج مثلاً إلا بطريقة واحدة وآلية موحدة ، حتى ولو زهقت أرواح وتكدست أجساد. في اعتقادي أنه لا يجوز الصمت على الأرقام المفزعة لحالات الطلاق دون تدخل اجتماعي تربوي شرعي. إنه صمت يشبه وقوفنا متفرجين على بيوت تنهار تحت وطء زلازل متتابعة دون تحرك يُذكر. المطلوب هو عمليات إجلاء لسكان هذه البيوت قبل انهيارها. الإجلاء هنا هو ترحيل الذات المتضخمة المشبعة بالأنانية والصلف والغرور ، والإبقاء على زوجين يستوعبان الاختلاف في الرأي والذوق وفهم الحياة ، لكن في الوقت نفسه صابرين متحابين متعاونين. واختم بالمثل الصيني الذي يقول: (البيوت السعيدة لا صوت لها).