ليس من شك في أن الاستعمار البريطاني والتخطيط الأمريكي جعلا من إيران قوة لا يستهان بها، فقد ضمت إليها بريطانيا عربستان عام 1925م ، ومع أن إيران شأنها شأن السجاد الإيراني تتمتع بالشكل الفسيفسائي الذي يضم شعوبا أخرى ليست إيرانية كالبلوش والعرب والكرد والآذار مما يجعلها قابلة للتفكك، إلا أنها تعتمد على إرث حضاري لا يمكن تجاهله. فالولاياتالمتحدة منحت عهد الشاه الدعم والقوة ليشكل مع إسرائيل ركيزتين عسكريتين في المنطقة بموجب مبدأ نيكسون، ولما تحول الشاه إلى مصدر تهديد للخليج وعزم على احتلال أجزاء منه فبدأ بالجزر ظهر كتاب (كراش سفنتي ناين) الذي كشف نوايا الشاه وأوراقه، فعمدت الولاياتالمتحدة إلى إسقاطه، وقدمت الدعم إلى الخميني عن طريق عملائها الذين كانوا منتمين إلى (M.S.A) مثل إبراهيم يزدي، وصادق قطب زاده. لكن ثورة الخميني ظلت على طموحها ،مما يؤكد على أن الأهداف الاستراتيجية لا تتغير كما هو في الأهداف السياسية، فوضع اللبنات للتمدد الإيراني في المنطقة، وطرح دعوة تصدير الثورة ، وأحدث هزة في الخليج والعراق، وهذا ما أشعل الحرب مع نظام صدام مما حدا بالخميني إلى الانتقال من تصدير الثورة إلى تصدير الدعوة. وبعد الخميني تحولت إيران من حالة الثورة إلى حالة الدولة فأسست علاقات وثيقة مع قوى عربية رئيسية مثل سورية لتكسب تمددها غطاء عربيا، كما فتحت إيران قنوات اتصال ودعم مع منظمات عربية مثل حزب الله وحماس والحوثيين ومدت جسورها مع العراق أثناء الاحتلال، عندما طلبت من حلفائها التحالف مع الاحتلال ،وتركت لسورية فتح الأبواب أمام الانتحاريين للضرب في شمال العراق كي تضعفهم القوات الأمريكية، وبذلك بلغت إيران أعلى نفوذها إذ وصلت إلى مبتغاها التاريخي الذي رسمه داريوس الأول للوصول برا إلى الشواطئ السورية. ارتبكت إيران بسبب الثورات العربية، فأخذت على حين غرة فقررت احتواءها لكن تركيا دخلت على الخط فزايدت عليها بأن دعمت المواقف العربية والإسلامية، مما اضطر إيران إلى الاقتراب من تركيا ومحاولة كسبها. أما المفاجأة الكبرى التي أربكت إيران فهي الثورة الشعبية وصمودها في سورية ، فهذه الثورة فصلت بسبب المصالح بين إيران وبين تركيا ، كما فكت الارتباط مع الإخوان المسلمين، وأصبح نظام الأسد يتداعى للسقوط. • رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية.