مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي طال انتظار إقراره، بشكل رسمي، رغم أهميته الحيوية في تفعيل وتطوير مفهوم المواطنة، والمشاركة الفردية والمجتمعية على حد سواء، خصوصا في ظل الاستحقاقات الوطنية الكبرى، وإزاء مجمل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها بلادنا، وعموم المنطقة العربية، في هذه المرحلة التاريخية، الدقيقة، المفتوحة أمام مختلف السيناريوهات والاحتمالات، والتي لم تعد تحتمل المراوحة والممانعة من قبل بعض القوى والمجاميع المحافظة التي قد تضع العراقيل والمصاعب أمام استكمال بناء مقومات الدولة العصرية الحديثة، المستندة إلى المبادئ الدستورية القانونية، وترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وإرساء أسس العدالة والتنمية المتوازنة بين فئات ومكونات المجتمع والمناطق كافة. القوى الخيرة في بلادنا كافة، تثمن عاليا، الجهود الحثيثة التي يبذلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في اتجاه تعميق وتطوير المشروع الإصلاحي في بلادنا، ويرون في الوقت نفسه، أنه من الأهمية بمكان، ضرورة تكاتف (الدولة والمجتمع) الجميع، من أجل تحمل مسؤولياتهم لإنجاحه، وتجاوز المعوقات الكثيرة التي تعترضه. ومن هذا المنطلق، جاء ترحيبهم المبدئي، بمصادقة مجلس الشورى على المشروع المعدل لنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ومبدين في الوقت نفسه، أملهم في تدقيق بعض الثغرات والنواقص الجدية التي تضمنتها بعض بنود المشروع السابق، بما يضمن استقلالية وحرية الجمعيات والمؤسسات المدنية التي تشكل قوام وفضاء المجتمع المدني، إزاء المجتمع السياسي، والتي من بينها، تحاشي ذكر مسمى جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، الذي قد يعده البعض مظهرا من مظاهر التغريب والعلمنة، والاستتباع الثقافي للغرب، حيث يستبدلون مقولة «المجتمع الأهلي» كإطار للمجتمع العربي الإسلامي بمفهوم المجتمع المدني (الغربي). وبطبيعة الحال، لا يمكن إغفال وتجاهل المتعين التاريخي، و«الخصوصية» الدينية والاجتماعية والثقافية لانبثاق وتشكل هذا المفهوم (المجتمع الأهلي). غير أن ذلك ليس مدعاة لعدم تضمين مسمى مؤسسات المجتمع المدني، تحت عنوان الخصوصية، لأنه أصبح واقعا يفرض نفسه، بمظاهره، دلالاته، وإفرازاته المحلية والكونية، على غرار الكثير من المفاهيم والمفردات والقيم المادية والرمزية «المستوردة» المرتبطة بالحضارة الغربية، مثل الدولة الحديثة، القانون والأنظمة، المؤسسات، المواطنة، الديمقراطية، حقوق الإنسان. وفي كل الحالات نستطيع القول إن المجتمع الأهلي، هو خاصية الاقتصاديات الطبيعية (الإقطاعية وشبه الإقطاعية والرعوية) والمجتمعات التقليدية والراكدة، وذات الامتدادات الرأسية التراتبية، سواء التي تشمل التعاضديات الارثية (القبيلة والعشيرة والطائفة) التقليدية، حيث نلحظ وجود المكانة الاجتماعية المميزة للشيوخ والوجهاء والأعيان وعلماء الدين وزعماء الطرق (أهل الحل والعقد) من جهة، وأتباع القبيلة والطائفة والطريقة والأفراد العاديين من جهة أخرى، والأمر ذاته، ينسحب وإن بمستوى اقل، على أصحاب المهن من الصنائع والحرف، وغالبا ما تكون تلك التراتبية مكرسة ومتوارثة، عبر أجيال عدة. إذ من النادر أن يصبح فرد عادي في القبيلة أو المهنة، شيخا لها. بخلاف خصائص المجتمع المدني، الذي يستند إلى العلاقات الأفقية، وتنعدم فيه التراتبية العامودية، كما هو مرتبط بالدولة الحديثة، والمجتمع المتجانس قوميا أو وطنيا، الذي يمثل الفضاء القائم ما بين علاقات السوق والأسرة من جهة، وما بين الدولة من جهة أخرى، والذي يشمل مؤسسات تطوعية مستقلة عن المجتمع السياسي، وتستند إلى المبادرة الفردية الحرة، مثل الاتحادات والمنظمات المهنية والنقابية والاجتماعية والسياسية، ومن هنا يتعين عدم الخلط بين المجتمع المدني، وبين ما كان قائما أو ما هو قائم في بعض مظاهره في مجتمعنا، من تنظيمات تقليدية، رغم وجود بعض القسمات والملامح والوظائف المشتركة بينهما. وبالطبع لا نستطيع تجاهل وجود بواكير لقيام مؤسسات المجتمع المدني في بلادنا، التي يمكننا الانطلاق منها والاستناد إليها وتطويرها وتعميمها، بما في ذلك سن وتطوير الأنظمة والتشريعات، التي تكفل حرية تأسيسها ونشاطها والانضمام إليها، من دون أية معوقات إدارية وبيروقراطية أو اجتماعية أو أمنية على حد سواء. ونشير في هذا الصدد إلى خبرة وتجربة المئات من الجمعيات والمؤسسات الخيرية والجمعيات التعاونية والجمعيات النسائية القائمة، وهي جمعيات أهلية متعددة الأغراض والمهمات ولها دورها الملموس في خدمة المجتمع، وإلى جانبها هناك غرف التجارة والصناعة، الأندية الرياضية، الأندية الأدبية، الجمعيات الثقافية، الجمعيات والمراكز الدينية والدعوية، مراكز الشباب، والجمعيات العلمية والمتخصصة مثل جمعيات المهندسين والصيادلة والمحاسبين، كما لا يمكن أن نقلل من أهمية ومغزى بعض المنجزات التي تحققت في السنوات القليلة الماضية، كتأسيس بعض الجمعيات المهنية والحقوقية، مثل هيئة الصحفيين السعوديين (2003) والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية (2004 )، والسماح للعمال في المنشآت التي يزيد عددهم فيها على 100 عامل بتشكيل لجان عمالية فيها. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة