رغم إصابته بالشلل النصفي في سنوات طفولته الأولى، إلا أنه وضع تحقيق النجاحات نصب عينيه رغم إعاقته، صارع أمواج الحياة العاتية بحثا عن سبل تساعده على تحقيق أهدافه في الحياة. هذا هو الشاب محمد ناصر الغامدي، الذي اجتاز جميع المراحل الدراسية وهو أسير عكازين، وتمكن من إكمال دراسته الجامعية في تخصص إدارة الأعمال وبدأ العمل في شركة في القطاع الخاص. ولكن طموحه لم يقف عند هذا الحد، بل غادر إلى ماليزيا لدراسة اللغة الإنجليزية بعد أن جمع من عمله في القطاع الخاص رسوم ومصاريف دراسته بالخارج، ليعود من كوالالمبور متحدثا للغة الإنجليزية بطلاقة، إضافة إلى إتقانه تطبيقات الحاسب الآلي. يقول الغامدي الذي فتح قلبه ل «عكاظ» متحدثا عن مشواره العلمي والعملي الناجح، وعن الصعوبات التي واجهته «منذ ولادتي وأنا أعاني من إعاقة حركية متمثلة في شلل نصفي، ولم أكن يوما من الأيام أسيرا لإعاقتي ولم تثنني عن التحاقي بالمدرسة التي واصلت تعليمي بها حتى تخرجي من الثانوية العامة، وبعد تخرجي بحثت عن عمل أتمكن من خلاله من الإنفاق على نفسي وتخفيف الحمل عن والدي المتقاعد، وبعد مشقة حصلت على عمل في إحدى الشركات الخاصة براتب لم يتجاوز ألفي ريال كانت كافية للإنفاق على نفسي مع أنني جزأت هذا المبلغ لثلاثة أقسام: جزء للمواصلات من وإلى العمل والثاني لاحتياجاتي الخاصة من ملبس وتسديد فاتورة هاتفي ومصروفي اليومي، أما الجزء الثالث فقد كنت أدخره». وأضاف الغامدي «بعد عام من عملي في الشركة الخاصة التي تعمل في مجال تصنيع المرطبات تقدمت إلى الجامعة على نظام الانتساب، وبعد ذلك تم تحويلي إلى طالب منتظم بناء على رغبتي في تخصص إدارة الأعمال، إذ كنت أعمل من الساعة الثامنة صباحا وحتى الخامسة عصرا، بعدها أذهب للجامعة لحضور المحاضرات، وبقيت على هذه الحال حتى تمكنت من الحصول على شهادة البكالوريوس في تخصص إدارة الإعمال مسار إدارة الأعمال الدولية بتقدير جيد جدا وبمعدل 3.75». واستطرد «لم يقف طموحي عند هذا الحد، حيث سافرت إلى خارج المملكة على نفقتي الخاصة بعد رفض قبولي في البعثات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين بدعوى تجاوز عمري للسن النظامي وهو 28 عاما، إذ كنت أبلغ وقتها الثلاثين عاما، سافرت إلى ماليزيا لدراسة اللغة الإنجليزية وكنت أنفق على نفسي من المبلغ الذي ادخرته من رواتبي طيلة عملي في الشركة الخاصة بالإضافة إلى بعض الحقوق المالية التي تسلمتها حين تقدمت باستقالتي منها والتي كنت أعمل فيها في قسم السنترال الذي لم يكن مطمحي مطلقا، وعقب ذلك عدت إلى وطني والتحقت بمعاهد خاصة بدورات الحاسب الآلي وحصلت على دورتين في كيفية التعامل مع تطبيقات الحاسب الآلي في الأعمال المكتبية وإدخال البيانات ومعالجة النصوص». العرض 3 آلاف وسرد الغامدي معاناته بعد كل هذا (التعب) قائلا «كنت متفائلا بمستقبل زاهر ينتظرني بعد حصولي على مؤهل جامعي مطلوب في سوق العمل بكثرة وبتقدير مرتفع، بالإضافة إلى إتقاني وإلمامي التام باللغة الإنجليزية نطقا وكتابة، بالإضافة إلى إلمامي بتطبيقات الحاسب الآلي، لكنني صدمت بالواقع المؤلم الذي كان ينتظرني فور عودتي إلى المملكة، حيث بادرت إلى التقديم لعدد من الوظائف لكنني تفاجأت بأن أعلى راتب عرض علي كان ثلاثة آلاف ريال فقط، رغم أن هناك من هم أقل مني مؤهلا وخبرة ولا يقل ما يتسلمونه عن خمسة آلاف ريال، والذنب الوحيد الذي يواجهونني به هو أنني معاق، وتساءلت حينها هل تتم معاقبتي على ذنب ليس ذنبي رغم يقيني بأن هذه المشكلة لن تشكل عائقا لي في الاضطلاع بواجباتي العملية على الوجه الأكمل، ولكن النظرة القاصرة لذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الإعاقة هي التي أحبطت طموح الكثيرين سواء في مسألة التوظيف أو الزواج أو غير ذلك من الأمور». فضلت العزلة واختتم الغامدي حكايته ل «عكاظ» بقوله «بعدما شاهدت بأم عيني التهميش الذي وجدته كمعاق من قبل القطاعين العام والخاص في مسألة قبولي كموظف، وعدم القناعة بما حصلت عليه من مؤهلات ودورات بذلت فيها الجهد والمال، فضلت أن أبقى حبيس جدران منزلي في انتظار يوم إشراق جديد ربما يحمل في طياته تقديرا لجهدي الذي بذلته لبناء مستقبل مشرق يجعلني أواصل الركض في مسيرة حياتي للوصول إلى أهدافي المقبلة والتي حددتها بالعمل على نيل شهادة الدكتوراة والزواج والحصول على الاستقرار النفسي والاجتماعي أسوة بغيري». رسالة للمعاقين يستعد الغامدي قريبا للسفر إلى الولاياتالمتحدة لإكمال دراسته في رحلة علم هدفها الماجستير والدكتوراة في إدارة الأعمال الدولية وعن ذلك يقول «هذه رسالتي لكل معاق، وهي أن الإنسان حينما يبتلى بالإعاقة فإن ذلك ليس نهاية المطاف، ولن يقف في وجه الطموح الجاد أي حاجز، المسألة تحتاج فقط صبرا ومثابرة ومجاهدة للنفس في سبيل الوصول للهدف المنشود».