تتصاعد أنفاس أحياء جدة التاريخية مع كل حادث حريق يشب في البيوت الأثرية ويلتهم أخشاب الرواشين وتغيب في لمح البصر مواقع تاريخية تتنفس عبق التراث وفي أزقتها يتكئ التاريخ ويمتزج بحراك الحاضر. ولم يكن حريق أوقاف المنوفي التاريخية في جدة أمس الأول هو الأول من نوعه الذي يطال بيوت المنطقة التاريخية في جدة إذ أن المنطقة تشهد بين الحين والآخر نشوب حرائق تلتهم التراث المتمثل في المباني القديمة التي هجرها أهلها من عشرات السنين. ومن جهته أوضح رئيس بلدية جدة التاريخية والمشرف على إدارة السياحة والثقافة المهندس سامي نوار أن الحريق الذي شب أمس الأول كان من الممكن أن يحرم جدة من ثمانية مواقع تاريخية، داعيا إلى كشف مسببات حريق أوقاف المنوفي. وبين المهندس نوار، إن ثمة شبهات تحوم حول ملابسات الحريق، موضحا أن وقف المنوفي مهجور منذ نحو 15 عاما ولا يسكنه أي شخص منذ تلك السنوات كما أنه لا يوجد به كهرباء وتلك الأمور هي ما قد تتسبب في حدوث حريق به، إلا أن نشوبها من السطح كان غريبا خاصة أن إيقادها بداخل المسكن لا يسهم في انتشار النيران كونه مسلح من الداخل مما قد يعجل في اخماده ويحد من أضراره وكان من الممكن أن تنقل الرياح الشرر إلى المساكن التاريخية المجاورة والتي تحمل الشيء الكثير من تراث جدة القديمة. وقال رئيس بلدية البلد: تم الرفع للجهات المعنية بوقف المنوفي بهدف إبلاغهم عن كون المسكن مهجورا منذ 15 عاما وهو مفتوح أمام الجميع مما قد يعرضه للخطر إلا أنه لم يتم التجاوب مع تلك الخطابات كونه جرى تأجيره لمستثمر يتولى الإشراف عليه، وكان من الممكن أن يفقدنا هذا الحريق 8 مواقع تاريخية هي منزل الجخدار، آل نوار، الشعراوي، بيت الخميس، مكتب عمدة حي الشام، مكتب السياحة والآثار ومكتب بلدية جدة التاريخية. وقال نوار شخصيا أؤكد أن الحريق به شبهات آمل التحقق منها وكشفها من الجهات المعنية مضيفا بأن هذا الحريق لم يكن عرضيا وفق المعطيات المرصودة من الموقع وقد يكون هناك أشخاص لهم هدف في وقوعه، لافتا أنه جرى رصدنا خلال الفترة الماضية بعد الحوادث التي تقع في منازل يتم شراؤها وبعد فترة يجري إخلاء السكان منها ولا تمضي فترة بسيطة حتى يحترق المبنى وهو ما يؤكد تلك الشبهات لذا آمل التوسع في التحقق منها. وألمح أن بلدية جدة التاريخية ترفض كل الخطابات الخاصة بإزالة المنازل التاريخية التزاما بتعليمات الجهات المعنية والتي وضعت تنظيما للحفاظ على نمط جدة القديمة وحماية تاريخها من الاندثار. وكانت إدارة الدفاع المدني في جدة استعانت بخبراء الحرائق والأدلة الجنائية في الشرطة لكشف مسببات حريق أوقاف المنوفي التاريخية والتي تعرضت لحريق مشبوه أمس الأول، واستدعى تشكيل فريق تحقيق يضم نخبة من ضباط الدفاع المدني والذين رصدوا موقع الحريق في سطح المسكن الأثري والمهجور. وقال مدير الدفاع المدني في جدة العميد عبدالله جداوي بأن الفرق المختصة باشرت معاينة الموقع للتحقق من أسباب الحريق. لافتا إلى أن التحقيق سيتم إحالته من إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة إلى الشرطة في حال التأكد من وجود شبهات جنائية كونها جهة الاختصاص في التحقيق في الحوادث التي تكون بها دافع أو عمل جنائي. وبين مدير الدفاع المدني في جدة بأن الاستعانة بخبراء الأدلة الجنائية يأتي لمعرفة ما إذا كانت هناك مواد بترولية أو أعقاب سجائر أو أي من تلك المسببات التي قد تسهم في اشتعال النيران. وأضاف تم الرفع بالعديد من المقترحات والحلول للجهات المعنية بهدف اتخاذ اللازم حيال وقوع تلك الحوادث مشيرا إلى أن الدفاع المدني لديه الخبرات والقدرات التي تؤهله للكشف عن مسببات الحريق وقد تم في عدة حوادث الوصول إلى تلك المسببات وإحالتها إلى الجهات المعنية لاستكمال التحقيق فيها وذلك لما بها من شبهات جنائية. وألمح جداوي إلى أن الدور الأكبر يقع على ملاك تلك المنازل والذي عليهم إن يبادروا بالحفاظ على ممتلكاتهم التاريخية من خلال الحرص على عدم تأجير عمالة تعمل على تقسيم تلك المنازل بشكل مخالف لتسكين أبناء جلدتهم والذين يستعينون بموصلات كهربائية رديئة ولا يملكون الخلفية الثقافية السليمة للتعامل مع تاريخ المنطقة. الجدير ذكره أن جدة فقدت منذ سنوات طويلة وحتى الساعة نحو 200 منزل تاريخي وأثري أما بالفقد الجزئي أو الفقد الكلي عن طريق الانهيار أو الحرق الكامل حيث تصل عدد المنازل التاريخية المصنفة في المنطقة إلى ما يقارب 600 منزل.