بدءا وضعت هيئة مكافحة الفساد رقما عاما للمواطنين من أجل التبليغ عن حالات الفساد التي يمرون بها، ولو جلس أحدنا أمام التلفون من الصباح إلى المساء فلن يجد أحدا يرد عليه. وهي نقطة أولى للحديث عن محاربة السلوك السلبي، ولو أننا جميعا اشتركنا في محاربة هذا السلوك فلن نصل إلى مرحلة الفساد أبدا .. وأي مجتمع تستشري فيه الممارسات والسلوكيات الخاطئة فإن نتائج هذا الاستشراء مفاسد عظيمة. كنت قد كتبت مبكرا عن استعانة هيئة مكافحة الفساد بالمواطنين وقلت أن المواطن لن يصل إلى عمق الأشياء من موقعه الوظيفي المتدني، أما إذا ارتفع وظيفيا فإن مصالحه و(لقمة العيش) تجعله يغض البصر عما يراه من منكرات، وهناك فئة ثالثة من المواطنين بعيدون عن اكتشاف أي شيء كونهم خارج سياق ما لا يسمح لهم بالاطلاع عليه من المخالفات النظامية أو المالية. ويبدو أن هيئة مكافحة الفساد أدخلت نفسها في النظام البيروقراطي المعقد والذي يطيل أمد أي مشكلة مهما كان حلها سريعا. ومن المعروف أن ولادة هذه الهيئة جاء من أجل حل أسباب التأخر والعراقيل التي تقف أمام تسارع التنمية وهي ولادة تعترف بوجود آفة الفساد بما يعني أن لديها الصلاحيات الكاملة للغوص في أي وزارة أو مرفق حكومي من غير انتظار سماع مفردتي يسمح ولا يسمح (وفق هيكليتها الوظيفية ومرجعها المباشر) وهذه الخاصية لم تستفد منها الهيئة. ويبدو أن هيئة مكافحة الفساد مازالت تتلمس لها طريقا يوصلها إلى إرضاء الناس مجتمعين وهي الطريقة التي يسلكها أي إنسان باحثا عن كسب ود الجميع وأعتبر أن مثل هذا الهدف هدفا ليس منطقيا ولن يتحقق فلم تولد الهيئة من أجل هدف الاسترضاء بل أوجدت من أجل الاقتتال (مكافحة أو محاربة الفساد) ومن يحارب فهو مكروه من الطرف الذي يحاربه وهي الخطوة الرابعة غير الموفقة. كما أن تحديد المستهدف بهذه المكافحة مازال غائبا ومتمركزا على محاربة الفساد المالي كنشاط رئيس بينما هناك سلوكيات جوهرية يجب محاربتها قبل أن تنتج ثمرتها النهائية أي التمدد في مكافحة الفساد أمر ضروري وهي المكافحة التي عجزت عن تحقيقها جهات مختلفة، فماهي الآليات والإجراءات التي ستأتي بها الهيئة من أجل تحقيق ما عجز عنه الآخرون. وهناك نقطة جوهرية تخص موظفي الهيئة أنفسهم فهم من قماشة المجتمع فما يحدث من سلوك في أي مكان فإن موظفي الهيئة نماذج من ذلك السلوك وهذا يقودنا أيضا إلى السؤال ماذا قدم لموظف الهيئة كي يكون عفيفا نظيف اليد، فهذا الموظف سوف يتعرض لإغراءات لا حصر لها أقول هذا كون رواتب بعض موظفي الهيئة متدنية للغاية. ثم إننا إلى الآن لم نلمس وجودا لهذه الهيئة مما جعل البعض يتساءل هل الهيئة تنتظر أن يأتيها المفسدون معلنين توبتهم أم أن زمام المبادرة يأتي من قبلها وإن كانت الإجابة الثانية هي التي تستقيم فما هي التحركات التي اتخذتها الهيئة مثلا مع المشاريع المعطلة في البلد وماهي العقوبات ولماذا لا تعلن عما تم كشفه من فساد. أخيرا الآمال التي علقت على هذه الهيئة كبيرة إلا أن ما ظهر منها إلى الآن تتواضع معه تلك الآمال الكبيرة التي بنيت ..فهل من سبيل لمعرفة أسباب هذا الافتراق بين ولادة الهيئة وبين ماكنا نحلم به؟. [email protected] للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة