لليمن حضور بهي ومضيء في الذاكرة لأنه حضور التاريخ يتداخل فيه السياسي والثقافي والأدبي والفني، وفي داخل كل منا جزء من هوية ذلك التاريخ، ذلك أن اليمن يمثل الهوية الحضارية الأولى لكل عربي حيث الجذور الأولى هناك. لقد ارتبط اليمن في ذاكرتي وفي وجداني بأشعار محمد محمود الزبيري وعبدالله البردوني وعبدالعزيز المقالح ولطفي جعفر أمان ومحمد سعيد جرادة والمحضار، وبالغناء الصنعاني والعدني ممثلا في الفنانين المرموقين محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وأحمد قاسم وعلي الآنسي وأيوب طارش وفيصل علوي وآخرين إضافة إلى رموز الغناء الصنعاني أحمد عبيد القعطبي والجراش والمسلمي وأحمد فضل اللحجي ومحمد جمعة خان. اليمن حالة ثقافية وحضارية فريدة واستثنائية. إنه يمن بلقيس وسبأ وسد مأرب وصنعاء التي حوت كل فن. لكن ما يحزنني ويحزن كل عربي أن اليمن اليوم هو يمن الانقسام والصدام، يمن لا تدري ماذا يريد ولا تعرف إلى أين يتجه، إنه اليوم في مرحلة حرجة وخطيرة وأكثر تعقيدا بين ثورة يقودها جيل جديد يفكرون برؤية مختلفة ومغايرة ومعارضين سياسيين يقف البعض منهم في أقصى اليسار فيما يقف البعض الآخر في أقصى اليمين، بين من يمثلون بقايا الفكر الاشتراكي ويبحثون عن شراكة وطنية ومن يمثلون تيارات إسلامية محافظة مع فكر تمثل القبيلة فيه كل شيء حيث هذا الفكر موجود وداخل في مفاصل الدولة، وبعد توقيع المبادرة الخليجية يجد المتابع للشأن اليمني نفسه أمام مشهد ملتبس ومخاتل في كافة تفاصيله، فلا تدري هل أنت أمام دولة أم شبه دولة؟ هل يمكن أن تقول بأن علي عبدالله صالح لا زال رئيسا أم انتهى سياسيا أم ما زال يحكم اليمن من خلف هذا المشهد؟ في يمن الحكم فيه معقد، ألم يقل أحد شعراء اليمن: وأتعس الناس في الأيام قاطبة من يركب الليث أو من يحكم اليمنا ثمة إرادة حقيقية في الاتجاه نحو يمن جديد لكن ما ينقص هذه الإرادة هو غياب رؤية سياسية واضحة لدى الثائرين والرافضين وما يهمنا هنا هو الاستقرار السياسي لليمن ذلك أن استقرار اليمن هو استقرار للمملكة وأن موقع اليمن الاستراتيجي يشكل مسألة مهمة في الخليج والجزيرة العربية، اليمن ليس هامشا ولا طرفا في جغرافية الخليج والجزيرة العربية إنه مركز وواجهة إذ أن هذه الجغرافيا المرتبطة بالتاريخ في تجلياته العميقة والمضيئة. كما قلت في البدء لليمن حضور في الذاكرة، إنه يعني لي أنا القادم من جنوب المملكة شيئا جميلا، فمن جنوب القلب إلى جنوب الجزيرة يبدو التاريخ حاضرا بقوة وتبدو صنعاء وعدن في حالة جوار وحوار ويبدو ذلك الإبداع الذي ساهم في تكويني وتكوين أجيال ثقافيا ومعرفيا وفنيا عبر الشعر اليمني والموسيقى والغناء اليمني. وكما قال أحد السياسيين الكبار في اليمن : «إن مأساة اليمن تبدو ثلاثية الأبعاد القبيلة والقات والفقر». فهل يخرج اليمن من هذه الدوائر الثلاث المغلقة ليتحول إلى يمن جديد أكثر تطوراً وعصرنة من أجل أن يخرج من فكر القبيلة إلى فكر الدولة ولكي لا يتقدم الانتماء للقبيلة على الانتماء للدولة. هل يخرج اليمن من ثلاثية «القات والفقر والقبيلة» ونغني مع الأغنية الصنعانية الشهيرة: ما مثل صنعا اليمن كلا ولا أهلها صنعا حوت كل فن يا سعد من حلها ونردد مع الشاعر: لا بد من صنعا وإن طال السفر. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 203 مسافة ثم الرسالة