انتشرت وبشكل لافت في عدد من أحياء جدة، العمالة السائبة التي تدعي اتقانها كل المهن، وبغض النظر عن نظامية هذه العمالة من عدمه، فإن المشكلة الكبرى وكما يؤكد الذين اكتووا بنارها، تكمن في الخسائر المالية الفادحة التي يتكبدها كل من يستخدم حدادا أو كهربائيا أو معماريا وغيرها من المهن، التي لا يقبل عليها السعوديون، رغم وجود عجز شديد بها في سوق العمل. ولم يعد غريبا على المارة في شوارع الأربعين، وفلسطين، وكوبري العمال بحي الجامعة، وحي البوادي، أن تجد على جنبات الطرقات أعدادا هائلة من العمالة الوافدة التي تنتظر منذ ساعات الصباح الباكر من كل يوم بحثا عن زبون، ولا يكمن الاستغراب في التواجد الكثيف لتلك العمالة، بل تعدى ذلك إلى المفارقات النادرة حينما يؤكد بعضهم أنه كهربائي ويعمل بمهنة حداد أو سباك، باستطاعته أن يصلح المكيفات، وآخر لا عمل له على الإطلاق سوى جمع المال، مدعيا أنه مقاول ويستطيع تشطيب بنايتك وتوفير كل مستلزماتها وتجهيزها وتسليمها لك «بسرعة الصاروخ» كما قال أحدهم. ويوجه فواز السلمي اتهاماته المباشر لإدارة جوازات محافظة جدة، قائلا «استمرار مشاهدة العمالة في كل تلك الشوارع بصفة يومية، تؤكد قلة حملات الجوازات في تلك الأحياء»، مضيفاً ان على الجوازات القيام بحملات مكثفة تحمي المواطن من انتشار العمالة التي تشكل خطرا على امن تلك الاحياء وساكنيها. ويقول احمد الرويلي انه لا يزال يعض أصابع الندم على استعانته بعامل متخلف من المنتشرين في شارع الأربعين لتشطيب بنايته الجديدة، بعد أن تبين أنه نفذ العملية بطريقة خاطئة شوهت العمارة، وتوارى عن الأنظار بعد أن قبض الأجر دون أن يجد له أثراً. ويضيف «عشت سنوات أحلم بتملك منزل يؤويني وأسرتي، واستطعت أن أجمع مبلغا من المال لبناء حلمي المنتظر، وبعد ان بدأت فيه تجاوزت العديد من المهام الشاقة حتى مرحلة التشطيب، حينها لجأت مخطئا للعمال المتخلفين الذين ينتشرون كل صباح في التقاطعات وأمام محلات السباكة في شارع الأربعين، ولم اعلم بأنني سأقع ضحية لأحد العمال الذي أغراني بسعر زهيد، اجبرني على الموافقة والاتفاق معه وسلمته مبلغا من المال ليبدأ عمله». وزاد: إلا أنه للأسف لم ينجزها جيدا بل شوه بنايتي وسرق أموالي واختفى، ولم استطع أن أبلغ الجهات المعنية لأنه من المتخلفين، وعلمت عندها سوء عاقبة التعامل مع مخالفي نظام العمل والإقامة، الذين للأسف ينتعش سوقهم في عدد من الأحياء، إذ يمارسون العمل والنصب في غياب للرقابة، وكل عامل منهم يدعي أنه يجيد جميع المهن. ويطالب سلمان الحربي من سكان حي الجامعة، تكثيف دوريات الجوازات في حيهم وغيره من الأحياء، لتطويق المتخلفين الذين تزداد أعدادهم في كل موسم، مشيرا إلى أن هؤلاء يجيدون الكر والفر، فما إن يشاهدوا دورية الأجهزة الأمنية حتى يهرولوا هاربين الى داخل الاحياء، وبمجرد رحيل الدوريات يعودون أدراجهم مرة أخرى. «عكاظ» قامت بجولة ميدانية على معظم تلك الاحياء التي تشهد تواجد العمالة الوافدة، والتقت بعدد منهم، فقال قايد جبران (يمني) انه قدم قبل عامين إلى جدة بحثا عن العمل، ونجح في التعرف على عدد من أبناء جلدته الذين سهلوا له الدخول في مجال السباكة، وبدأ لا يفقه شيئا ومن خلال ممارسة المهنة اصبح متقنا لها، ولكنه لا يحمل إقامة نظامية. وتبسم لمحرر «عكاظ» أيمن عبدالرحيم (مصري) وقال انه يتقن حسب زعمه كل المهن، وحينما علم بانتمائنا للصحيفة تراجع وقال انه يبحث عن لقمة العيش، ويقف يوميا بالساعات في انتظار أي شخص يريد سباكا أو نجارا أو كهربائيا أو أي عمل. ويروي عمار يوسف (يمني) أن الدخل اليومي ل«المعلم الكبير» يراوح ما بين 150 250 ريالاً، ومن 50 70 ريالا بالنسبة للعامل «غير المحترف» بحسب تصنيفه، مشيرا إلى ان السوق بشكل عام يشهد اقبالا كبيرا من المواطنين، مما يسهم في تزايد العمال وارتفاع اسعار أجورهم في الوقت ذاته. ويجمع عدد من سكان شارع الاربعين، وحيي الجامعة والبوادي، على ضرورة تكثيف حملات الجوازات لضبط هؤلاء المتخلفين الذين يدعون المعرفة وإجادة كل شيء وهم عكس ذلك تماماً. المقدم محمد الحسين الناطق الاعلامي لمديرية الجوازات في منطقة مكةالمكرمة، قال ان الجوازات تقوم بتنفيذ حملاتها على مدار العام، مشيرا إلى ان هناك حملات بشكل مباغت تنفذها على مختلف الاحياء، لافتاً إلى تنسيق الجوازات مع عدة جهات للحد من تزايد اعداد العمالة، وأن هناك تشديدا ورقابة صارمة من ادارة الجوازات على المساكن التي تؤوي المتخلفين والمخالفين، وأن هناك عقوبات مشددة ضد كل من يخالف الانظمة والتعليمات.