لم تأت زيارة رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير لإسرائيل مؤخرا من فراغ، بل جاءت تتويجا لعلاقات استمرت سرية لعدة عقود بين الدولة اليهودية والحركة الشعبية لتحرير السودان «الحزب الحاكم في جوبا حاليا». ولذلك ليس من المستغرب أن تكون جنوب السودان في مقدمة الدول التي يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو زيارتها خلال جولته الأفريقية المتوقعة قريبا. لا شك في أن التقارب بين الجانبين يقلق حكومة الخرطوم إلى حد بعيد، وإن حاولت التقليل من انعكاساته. فقد قال وزير الخارجية السوداني علي كرتي في لقاء مع مجموعة من المهتمين بالشأن السوداني في القاهرة أمس الأول « الوجود الإسرائيلى العلني والرسمي في دولة جنوب السودان أهون من الوجود غير العلني والرسمي الذي استمر عشرات السنين في دعم حركات التمرد في الجنوب». وأضاف كرتي «من الأفضل أن يكون وجود إسرائيل في جنوب السودان معلنا ومعروفا؛ حتى يساعدنا في معرفة تحركاتها وماذا تريد». وبما أن جوبا أصبحت تمثل المأوى والداعم الرئيس لقيادات حركات متمردي إقليم دارفور، فإن التورط الإسرائيلي السافر في النزاع الدارفوري يبدو مرجحا في المستقبل القريب، خاصة أن عبدالواحد نور زعيم إحدى فصائل تلك الحركات زار إسرائيل علنا أكثر من مرة، وأكد ذلك في تصريحات عديدة. ويكمن الخطر الأكبر في أن النيل الأبيض الرافد الثاني لنهر النيل يمر بأراضي جنوب السودان قبل أن يصل إلى السودان ثم مصر، علما بأن دول حوض النيل الأخرى أصبحت تتململ مطالبة بحصص أكبر في مياهه. ومن غير المستبعد قيامها بمغامرة بدعم إسرائيلي على حساب الخرطوموالقاهرة. وقد كشفت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في شهر نوفمبر الماضي صراحة عن الدور البارز الذي لعبته إسرائيل في دعم جنوب السودان في صراعه ضد الحكومة المركزية في الخرطوم، الذي انتهى بتقسيم السودان. ويعود الاهتمام الإسرائيلي بجنوب السودان إلى الخمسينات من القرن الماضي بحسب دراسة أعدها العميد الإسرائيلي المتقاعد موشي فرجي لمركز دراسات الشرق الوسط في جامعة تل أبيب بعنوان «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان، نقطة البداية ومرحلة الانطلاق». وتشير الدراسة التي نشرت مؤخرا إلى أن السودان يشكل خطرا على الأمن الإسرائيلي باعتباره عمقا لمصر التي هي في نظر إسرائيل أكبر خطر يتهددها. ووفقا لهذه الدراسة فإن تل أبيب رأت توسيع استراتيجيتها حيال القرن الأفريقي بحيث يدخل في صميمها الموقف تجاه جنوب السودان.