تعتبر المملكة من أكثر دول العالم إنفاقاً على الرعاية الصحية لمواطنيها إذا نسبنا مجمل الإنفاق إلى عدد السكان ومع ذلك لا تروق الخدمات الصحية المتوفرة للكثير من المواطنين فتعج الصحف بمقالات وتقارير النقد وتحتشد مناضد المسؤولين بالشكاوى والتظلمات ويسافر من تعينه قدرته المادية تاركاً هذه المنشآت الضخمة ومجانية رعايتها وباحثاً عن العلاج في الخارج، ما سر هذا التناقض وما سبب هذا الإخفاق في إقناع المواطن؟، ينسب البعض ذلك إلى ترهل الجهاز الصحي الحكومي وسوء إدارة موارده ما سبب انحدار مستوى الجودة وتردي الخدمة، وعزا آخرون التذمر إلى حمى الرفاهية المتمادية لدى بعض طالبي الخدمة ومبالغتهم في النقد والتشكي وعدم تقديرهم لأهمية وتكلفة ما يقدم لهم، كما أن لتوتر المريض وتأزم حالته النفسية ومن يرافقه ويعتني به دوراً في إذكاء الغضب لتبدو الثغرات والملاحظات الطبيعية بعدسة مكبرة يعزو آخرون الأسباب إلى تعدد جهات تقديم الخدمات الصحية وتضارب برامجها ويجادلون بأنه لو أعيد تنظيم عملها وتنسيق جهودها ليهتم كل مستشفى تخصصي أو مركز أبحاث ببرنامج معين يكلف الكثير من المال والجهد ويستوعب الكوادر النادرة فلا يقام نفس البرنامج في أكثر من مكان لأمكن توفير المال والجهد ولأمكن حشد الخبرات المتميزة في أماكنها المناسبة ليتحقق تراكم التجربة المنشودة وتوطين المعرفة فيستفيد الأطباء المحليون من خبرات ومهارات الأساتذة الزائرين، كل ما سبق قد يكون صحيحا من زاوية ما وفي وقت ما لكن خصخصة القطاع الصحي بطريقة صحيحة ومنظمة بعناية هو ما سوف يضمن على المدى البعيد خدمة صحية جيدة ومقبولة؛ فالتنافسية العادلة هي ضمان استمرار وتطور الخدمة والجودة، وقد انتهت تجارب معظم دول العالم إلى خصخصة قطاعاتها الصحية فأثمر أغلبها النجاح والتطور، ولو خصخص القطاع الصحي على مراحل لتهتم وزارة الصحة في نهاية المطاف بالتوعية والرعاية الصحية الأولية وتطوير خدماتها ونشرها في المدن والأرياف وبعدد من المستشفيات ومراكز البحوث لخدمة الطوارئ والكوارث ولمكافحة الأمراض السارية إلى جانب مراقبة أداء أنظمة الضمان الصحي وعلى الدولة حينها توفير الضمان الصحي لموظفيها ولعائلاتهم مثلما تقوم شركات القطاع الخاص بتأمين مستخدميها من المواطنين والمقيمين ولن يتبقى حينها سوى منتسبي الضمان الاجتماعي الذي سيوفر بدوره التأمين الصحي للمستفيدين من خدماته هكذا ستشمل مظلة التأمين الصحي المواطنين والمقيمين وسنضمن توفر أفضل الخدمات. [email protected]