وإن وصف حي بني مالك بحي المتناقضات فلا خطأ في ذلك، اثنان من السكان مثلا تتضارب أقوالهما في نقطة واحدة، فتارة يقول أحدهما إن الجهات المعنية تجاهلت شكاوى السكان في مختلف القطاعات، ويقول الآخر إن تلك الجهات تفاعلت مع تلك البلاغات، لكن المخالفين كانوا أقوى وسرعان ما عادوا، فتركت الحي غارقا في مشاكله. كلاهما معذور كون التناقضات في الحي تأصلت في الحي، جهات من الحي منظمة وأخرى شعبية عشوائية، السوق التي تمتد على طول الحي تقسمه إلى نصفين؛ جهته الشمالية مرتبة نظامية، والجنوبية عشوائية مخالفة، الجاليات الأجنبية تسكن نصف الحي نصفها نظامي والآخر مخالف، في بيوته يتجاور العزاب والأهالي، إذن لا ملامة حتى إن تضاربت أقوال سكانه بطبيعة التناقض المتمكنة من الحي، وربما كانت هي السبب الرئيس في مشاكله «المستدامة». يشهد حي بني مالك حركة سكانية من مختلف الجنسيات منذ سنوات، ويعتبر من الأحياء القديمة الجديدة في محافظة جدة، التي اشتهرت بالمراكز التجارية، وأهمها سوق بني مالك، التي تخترق الحي من الجنوب إلى الشمال، على طول الحي وتقسمه إلى شمالي وشرق شمالي منظم ومرتب، وجنوبي شعبي ومهمل، وينتقل إليها الكثير من العمالة النظامية، وتلك المخالفة لنظام الإقامة والعمل، لممارسة مختلف المهن والأعمال التي أنهكت الحي وأورثته الشيخوخة المبكرة. الصفهاني يقول «إن إهمال الجهات الخدماتية لاحتياجات الحي من السفلتة والإنارة والتنظيم والمراكز المختلفة للحي، تسببت بدخول العديد من العمالة المخالفة، الذين يمارسون أعمالا مريبة ارتباطا بمخالفتهم النظام هم أنفسهم، فلن يبدر عنهم إلا المخالفات والعديد من الأخطاء التي تسببت في كثير من الإزعاجات للسكان، منها تجميع المخلفات أمام منازلهم بطريقة غير حضارية ومزعجة، بغية نبش ما يمكن إعادة بيعه». وأضاف «السكان اعترضوا على هذه التجاوزات لدى العديد من الجهات، مؤكدا تعاظم مخاطر مخالفاتهم في ظل السكوت عنها بهذا الشكل، وكأن أعمالهم مسموح بها نظاما. ويقول محمد العربي إن العمالة المخالفة تمارس البيع والتجارة بطريقة حرة، وبعشوائية ويقدمون الخدمات غالبا لأبناء جلدتهم لكنهم يساهمون في انتشار العشوائية التي يشكو منها الحي منذ دخولهم إياه أول مرة، وما يترتب من سلبيات تطالنا نحن الأهالي والسكان الأصليين، وشكونا ذلك للجهات المعنية وتفاعلوا مع شكوانا وهموا بالقضاء عليها، لكن ظل المخالفون متواجدين رغم كل تلك الحملات وكأنهم «ينبتون» من العدم، وسرعان ما عاد الحال على ما كانت عليه. وأضاف «العشوائية التي يعاني منها حي بني مالك، تتمثل في البيوت الشعبية المتهالكة، والمحلات التجارية القديمة، ووجود عدد من المصانع والورش الصناعية وسط المساكن، إلى جانب العمالة المخالفة التي تسكن بجوار العوائل، ووجود هذه العمالة من النظاميين في هذه المساكن، سمح لهم بالتستر على عمالة أخرى غير نظامية». ويقول خالد المجرشي إن عددا من المنازل في الحي استغلها سكانها من العمالة في عدد من المخلفات والمعدات وغيرها من الأشياء على أسطح المنازل، وتحويل بعضها إلى معامل ومصانع مصغرة، وذلك أثر بشكل مباشر على سوء نظافة الحي السيئة في الأصل، مما جعل شوارع الحي مرتعا للقطط والفئران وحتى الكلاب الضالة في حي يقع في وسط مدينة جدة، وقدمنا شكوانا إلى البلدية عن هذه المنازل وعن الضرر المحتمل في حال حدوث الكوارث، لاعتراض المخلفات الطرق الضيقة في تصميمها مما يجعل وصول آليات الدفاع المدني والإنقاذ والإسعاف إلى المنازل المأهولة بالأسر، أمرا مستحيلا، وذلك يذكرني بحادثة مؤسفة ذهب ضحيتها ثمانية أفراد من أسرة أفريقية مخالفة في حريق اندلع في منزلهم، وعجزت آليات الدفاع المدني عن الوصول إليهم في الوقت المناسب، والحمد لله أن الحريق لم يمتد إلى المنازل المجاورة. أما صالح الزهراني فيقول «الحي يعاني من نقص حاد في الخدمات البلدية، فالشوارع غير مسفلتة والظلام يخيم على الحي، والأرصفة تغيب تماماً، وبالتأكيد في ظل هذا الغياب سيكون وجود التشجير مستحيلا، المحلات عشوائية، والورش تمنح تصاريح العمل وسط الحي، والنظافة تصل إلى أدنى مستوياتها في الحي، في موسم الأمطار تتكون البرك وتظل على حالها عدة أسابيع حتى تجففها الشمس، هذه خدمات بلدية أساسية من حق أي ساكن، وغيابها يعني عدم أهلية المكان للسكنى». فايز الهلالي ختم القول بصريح العبارة إن الحي في وضعه الحالي لا يصلح للسكن، والانتقال منه أمر تحتمه الضرورة، لكن محدودة دخل معظم سكانه الأصليين تحتم بقاءهم فيه رغما عن إرادتهم، فأصبحوا أمام أمرين أحلاهما مر، إما التعايش مع الوضع الحالي وكأن شيئا لم يكن، وإما العمل على بيع منازلهم وتحملهم الديون لما تبقى من أعمارهم في سداد أقساط سكن في أطراف جدة البعيدة.