أدى توالي التقارير والتوقعات باستمرار موجة ارتفاعات الأسعار عالميا في أسعار المواد الاستهلاكية إلى تخوف المستهلكين من استغلال الشركات والموزعين والتجار تلك التقارير المتسارعة لرفع الأسعار محليا وافتعال الأزمات في الأسواق بهدف تهيئة المجتمع لتقبل الأسعار المرتفعة في السوق المحلية، وهو ما دفع عددا من المختصين للمطالبة بسرعة العمل لتنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الهادفة للتصدي لكبح أسعار المواد الغذائية، عبر إجراءات مناسبة تؤمن العيش الرغيد للمواطن وتحقق الأمن الغذائي الوطني. وقد استطلعت «عكاظ» آراء عدد من المواطنين والخبراء والمختصين لتشخيص واقع السوق المحلية في ظل ارتفاع أسعار العديد من السلع الرئيسة. المقاطعة هي الحل بداية يؤكد المواطن محمد العمري أن المحاولات المستمرة من قبل التجار لرفع الأسعار وتقليص حجم العبوات أصبح أمرا معروفا لدى المواطن العادي، مضيفا بأن محاربة ظاهرة ارتفاع الأسعار تتم بقيام حملات مقاطعة للمنتجات التي تباع بأسعار مبالغه تحت عنوان «أرخصوها بالترك»، حتى تظل المخازن والمستودعات ممتلئة دون تسويق تلك المنتجات، مما سيجبر التاجر على التراجع عن رفع الأسعار وعدم محاولة استغلال المواطن مرة أخرى. سوق سوداء ويضيف علي البعداني أن ارتفاع أسعار الخضار والفواكه أدى إلى ظهور بعض أفراد العمالة الأفريقية، التي تقوم بتجميع بقايا الخضار والفواكه التي يتم التخلص منها لعدم صلاحياتها من قبل الباعة في حلقة الخضار ومن ثم القيام بتنظيفها وبيعها للمستهلك بأسعار أقل من سعر السوق، وهو ما يدفع ببعض الأسر من متوسطي الدخل بالإقبال على شرائها، وهو ما يجعلنا نتساءل عن غياب الرقابة وما هي الأسباب التي أدت إلى ظهور مثل هذه الأسواق التي أصبحت تنتشر في الكثير من الأحياء، خصوصا وسط وجنوب جدة، والإجابة بكل بساطة ارتفاع الأسعار أدى إلى نشوء هذه الظاهرة. المقاطعة تسبب الغش إلى ذلك، يؤكد طارق الدوسري أن حملات المقاطعة تأتي بنتائج جيدة، ولكن يغيب عن الكثيرين ممن يستخدمون هذا الأسلوب أن بعض الشركات عمدت إلى تخفيض الأسعار وتخفيض الكميات وتغيير حجم العبوات، ولا أدل على ذلك مما بدأ يظهر في السوق من انتشار عبوات ال200 مل بدلا عن العبوات التي كانت مستخدمة في السابق وهي 250 مل بمعنى أن سعر السلع لم ينخفض وإنما انخفضت الكمية. أسباب الارتفاع وأرجع الدوسري أسباب ارتفاع الأسعار إلى الارتفاع العالمي، ومعظم المواد الخام المستخدمة في الصناعة الغذائية هي مواد يتم استيرادها، كذلك زيادة الطلب على المواد الغذائية بسبب الارتفاع الكبير في عدد السكان، وكذلك الزيادة السكانية خلال مواسم معينة، مثل ارتفاع عدد المعتمرين وارتفاع عدد الحجاج خلال السنوات الأخيرة، يؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة الطلب على هذه المنتجات. ويضيف الدوسري أن فقدان العملات الرئيسة بعض قيمتها يؤدي إلى رفع الأسعار، ففقدان الدولار لبعض قيمته يرفع تكاليف الاستيراد، وكذلك تكاليف الدعم اللوجستي من شحن وخلافه يؤدي بالتالي إلى رفع قيمة المواد الأولية التي تنعكس على القيمة النهائية للمنتج. وأضاف: «السبب الثالث هو فقدان العملات الرئيسة مثل الدولار واليورو لأجزاء كبيرة من قيمتها بسبب الأزمة الاقتصادية، والتي يمكن أن تؤثر في الحركة الإنتاجية العالمية، فزيادة الأسعار هي نوع من التعويض في الفقد من القيمة الحقيقية للعملة. إهمال القطاع الزراعي من جهته، يرى رجل الأعمال جمال يماني أن موجة الارتفاعات السعرية للمواد الغذائية تعود في الدرجة الأولى إلى توجه الكثير من الدول الزراعية خصوصا دول العالم الثالث إلى التحول إلى دول صناعية، وبالتالي إهمال القطاع الزراعي في ظل تنامي العوامل المؤثرة في التكاليف التشغيلية، من ارتفاع سعر النفط والطلب العالمي المتزايد على المحاصيل الزراعية في ظل عدم تطوير الصناعة الزراعية في تلك الدول والتي لم يتغير حجم إنتاجها منذ عقود. ارتفاع تكلفة العمالة ويضيف يماني كذلك لجوء بعض الدول إلى رفع أسعار عمالتها يرفع الكلفة التشغيلية على الشركات وبالتالي تنعكس هذه الكلفة على السعر النهائي للمنتج وما قامت به بعض الدول من وضع حد أدنى للأجور أعلى من السابق، زاد من الأعباء المالية التشغيلية، التي تنعكس على المستهلك، إضافة إلى أن غالبية المواد الخام المستخدمة في التصنيع الغذائي مستوردة من أوروبا، كما أن المواد الغذائية الخام المستوردة من الدول النامية لم تواكب حجم الطلب العالمي والنمو السكاني المتزايد، لأنها تركز على التطور الصناعي، وإهمال التطور الزراعي، إذ لم يتغير حجم إنتاجها منذ عقود إلا بنحو 10 إلى 15 % ما ساهم في تنامي الأسعار. ويشير يماني إلى أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للزراعة في الخارج، ستساهم بشكل كبير في التحكم في الأسعار، من خلال اختيار الدول ذات الإمكانات الزراعية الجيدة، والأنظمة الاستثمارية الجاذبة. ووضع آليات لضمان حق تصدير جزء من المحصول الناتج للمملكة بأسعار عادلة، وكذلك بناء وإدارة مخزون استراتيجي للسلع الغذائية الأساسية في مختلف مناطق المملكة. ويضيف يماني أن رجال الأعمال لن يدخلوا بقوة في هذه المبادرة إلا بعد أن يتم توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول المضيفة وكذلك عقود امتياز تضمن تحقيق أهداف الاستثمارات وحمايتها، وأن تكون الاستثمارات طويلة المدى. تزايد الطلب يرفع الأسعار من جهته، يشير الخبير الاقتصادي المستشار محمد مصطفى بن صديق إلى أن هناك توقعات باستمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، نتيجة الاعتماد الكبير على استيراد المواد الأولية في صناعة المواد الغذائية، وهي التي تمس المواطن بشكل مباشر وأي تأثير على هذه الأسعار يشعر به المستهلك مباشرة. ويضيف ابن صديق أن التقارير ذكرت أن أثر تضخم أسعار الأغذية العالمية على قطاع الأغذية السعودي أثر بشكل كبير عامي 2007 و2008، إلى جانب الاثني عشر شهرا الماضية، نتيجة تزايد الطلب وارتفاع استخدام المحاصيل الغذائية كوقود حيوي وانخفاض مكاسب الكفاءة من حيث استخدام الأراضي، مضيفا أن هناك توقعات بانخفاض أسعار الأغذية خلال عام 2012، إلا أن هذا الانخفاض لن يشعر به المستهلك لأن الشركات ستحوله إلى هامش أرباحها. طرق مبتكرة وأشار ابن صديق إلى أن أي ارتفاع في أسعار الأغذية العالمية سيشكل مصدر قلق لشركات الأغذية السعودية نتيجة لتعرضها واعتمادها على هذه المواد الأساسية وتخوفها من رفع الأسعار بشكل مفاجئ، خوفا من تعرضها لحملات المقاطعة، مضيفا أن شركات الأغذية السعودية استطاعت تمرير تضخم التكاليف إلى المستهلك، إلا أنه مع الاستمرار في ارتفاع الأسعار، ستجابه الشركات بعاصفة من الحملات الإعلاميات وحملات المقاطعة والاحتجاج، على رفع الأسعار، الأمر الذي يجعل الحكومة تتدخل، ولا أدل على ذلك، مما حدث مؤخرا حين حاولت بعض شركات الألبان رفع أسعارها، حيث رفعت بعض شركات الألبان في يوليو الماضي سعر عبوة الحليب 2 لتر من 7 إلى 8 ريالات، إلا أنها أجبرت بعد أسبوع واحد على التخلي عن هذه الزيادة بسبب تدخل الحكومة، مما يصعب على شركات الأغذية تمرير التضخم إلى المستهلك النهائي، وبالتالي تضعف الهوامش الربحية، لذا يتوجب على الشركات أن تكون مبتكرة وفعالة في طريقة استخدامها للمواد الخام، بالإضافة إلى خفض التكاليف في بنود أخرى من أجل الحفاظ على هامش الربحية. زيادة متواصلة للأسعار من جهتها، تعتقد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن متوسط أسعار السلع الأساسية سيزداد خلال العقد القادم ليتراوح بين 15 و30 %، ومن المتوقع أن يكون التضخم سائدا. وبحسب تقارير نشرت مؤخرا تشير إلى أن المملكة تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية لتلبية متطلباتها، ومن المتوقع تضاعف استيرادها للمواد الغذائية من 63 مليار ريال عام 2010 إلى 132 مليار ريال مع حلول عام 2020، ومن المتوقع أن يستمر الاعتماد على الواردات نظرا لمحدودية الإنتاج المحلي للمحاصيل بسبب شح المياه وعدم ملاءمة الظروف المناخية. الاستزراع في الخارج ومع أن سياسة الحكومة بين عامي 1970 و1990 كانت تهدف إلى الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية، إلا أن هذا تغير وأصبح الهدف الحالي هو العمل مع الدول ذات الأراضي الخصبة التي تفتقر إلى الاستثمارات المالية للاستفادة من ذلك من خلال زراعة المحاصيل الغذائية الرئيسة لصالح المملكة، وهو الأمر نتج عنه مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي في الخارج.