مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    اتحاد الغرف يطلق مبادرة قانونية للتوعية بأنظمة الاستثمار في المملكة والبرتغال    الاحتلال لا يعترف ب (الأونروا)    «الكونغرس» يختار الرئيس حال تعادل هاريس وترمب    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «حديقة السويدي» من ثقافة باكستان إلى الأسبوع اليمني    شتاء طنطورة يعود للعُلا    «الأسبوع العربي في اليونسكو».. ترسيخ المكانة الثقافية في المملكة    12 تخصصاً عصبياً يناقشه نخبة من العلماء والمتخصصين بالخبر.. الخميس    برعاية الأميرعبدالعزيز بن سعود.. انطلاق المؤتمر والمعرض الدولي الرابع لعمليات الإطفاء    ليلة الحسم    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    رئيس الشورى يستقبل السفير الأمريكي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    تنوع تراثي    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    ترمب وهاريس في مهمة حصاد جمع الأصوات    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى السبت المقبل    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس    الأمين العام للتحالف الإسلامي يستقبل وزير الدفاع العراقي        حرس الحدود بعسير يحبط تهريب 150 كلجم من القات    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهند والدولار أبرز أسباب التضخم في السعودية
ولا يزال البحث جاريا عن مبررات ارتفاع الأسعار
نشر في الرياض يوم 19 - 02 - 2008

معرفة الأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق السعودية تتطلب جهودا منهجية مضاعفة ترجع لجذور المشكلة وتحلل أبعادها الاقتصادية بحرفية تبتعد عن التأويل والتخمين والاعتقاد، وقد وردت كثير من القراءات الاقتصادية لظاهرة الغلاء والتضخم في محاولة لمعالجتها والتعامل معها بحيثيات اقتصادية ترفع الضرر عن المستهلك ولا تؤثر على العملية الاقتصادية في المستقبل.
للتضخم آثاره الكارثية على الاقتصاديات الوطنية وعندما يتسع نطاقه عالميا فإنه يعني نوعا من الكساد، ولكن تختلف مناعة الدول في مواجهته ومقاومته، وهو عامل نسبي يتحرك بحسب السياسات النقدية الداخلية فيرتفع وينخفض مؤشره وفقا لمقدرة المعالجات على الحسم، وتلك المعالجات تبدأ وتنتهي بسؤال جوهري هو.. لماذا ارتفعت أسعار المواد الغذائية ؟ ومن خلال هذا التقرير نتعرف على الإجابة في الواقع السعودي:
أسعار المواد الغذائية هي المصدر الرئيسي للتضخم في السعودية حيث ارتفعت بوتيرة عالية خلال السنوات الأخيرة وطالت آثارها الجميع. أما السبب الأساسي وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية فهو جمح الأسعار في بورصات السلع العالمية، إضافة إلى بعض العوامل المؤقتة مثل الأحوال المناخية التي ساهمت في تعقيد عملية التحور في أنماط استهلاك واستخدامات المنتجات الزراعية متسببة بذلك في غلاء أسعار المواد الغذائية في كافة أنحاء العالم. ومن شأن الفجوة الحالية بين العرض والطلب أن تتقلص بمرور الوقت وأن تتراجع أسعار السلع الزراعية في نهاية الأمر، بيد أن قرائن الأحوال في الوقت الراهن تشير إلى أن الأعوام القليلة القادمة ستشهد تواصل ارتفاع التضخم في أسعار المواد الغذائية إلى حوالي 5بالمائة في المتوسط.
ورغم ارتفاع السلع الزراعية في السعودية ومضاهاة التضخم فيها مستويات دول الخليج الأخرى وعدم اختلافه كثيراً عن بريطانيا أو الولايات المتحدة، إلا أننا لم نشهد ما يدل على انخراط تجار التجزئة في رفع الأسعار بصورة متعمدة، رغم أن الإدعاءات بارتفاع الأسعار بصورة غير مبررة خلال شهر رمضان تبدو أكثر مصداقية. وقد ساهمت عوامل محلية أخرى في غلاء أسعار المواد الغذائية، بيد أن العوامل العالمية الواردة أدناه كانت السبب الرئيسي وراء غلاء أسعار المواد الغذائية والمشروبات.
تحور الأنماط الاستهلاكية: نتج عن ارتفاع دخول الأفراد في الصين والهند تحورات كبيرة في الأنماط الغذائية عالمياً، حيث تتغير العادات الغذائية بارتفاع مستوى الدخل. وباعتبار عدد السكان المهول البالغ 2.5بليون نسمة في هاتين الدولتين فإن التحورات فيهما لها تداعيات ضخمة على أسعار المواد الغذائية عالمياً، فعلى سبيل المثال، نجد أن ارتفاع استهلاك الأرز في الهند بصورة مباشرة عن غلاء أسعاره في المملكة.
استخدام المحاصيل الزراعية في إنتاج الطاقة: استخدام المحاصيل الزراعية كلقيم في إنتاج مادة الإيثانول (من الذرة والقمح وقصب السكر) جاء على حساب مساحات المحاصيل الزراعية الأخرى (خصوصاً في الولايات المتحدة) التي تراجعت متسببة في ارتفاع أسعارها بصورة حادة.
الأحوال الزراعية السيئة: شهد العامان الماضيان أحوالاً سيئة على نحو غير عادي في عدد من الدول الزراعية الرئيسية، فقد شهدت استراليا على وجه الخصوص أسوأ موجة جفاف تتعرض لها على مدى قرن في عام 2006، ولم تكن الأحوال الزراعية في أوروبا وأمريكا الشمالية بأفضل حالاً في الأعوام الأخيرة.
ارتفاع تكلفة السلع المستوردة: حيث تسبب الارتفاع في أسعار النفط في زيادة تكلفة النقل والشحن كما تسبب تراجع سعر الريال في ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
ورغم أن آثار بعض هذه العوامل ستتلاشى بمرور الزمن (بسبب تحسن ظروف الطقس على سبيل المثال) إلا أن الأوضاع على أرض الواقع مهيأة لارتفاع التضخم في أسعار المواد الغذائية بمعدلات أعلى من المعتاد، وليس في مقدور السلع عن مستجدات عالمية خارجة عن سيطرتها.
أسعار المواد الغذائية ترتفع بوتيرة عالية
المصدر الأساسي والأكثر وضوحاً للتضخم في السعودية في الأعوام الأخيرة هو الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية. ورغم أن الإيجارات آخذة في الارتفاع بمعدل يفوق المواد الغذائية إلا أنها لا تزال محصورة في الرياض والمدن الساحلية في المنطقة الشرقية خلاف أسعار السلع الغذائية التي ارتفعت على نطاق كل المملكة. وكانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بمعدل لا يعدو 8.4بالمائة بين عامي 1983و 2003، لكنها قفزت بمعدل 16.8بالمائة منذ عام
2004.أسعار السلع الغذائية المرتفعة لا تفاضل بين الأسر، وبما أن المستهلكين يميلون إلى شراء مواد بعينها كل مرة نجد أنهم ينتبهون مباشرة إلى التغير في أسعارها. ورغم تحديد الدولة لأسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، مثل الخبز والحليب والطحين والقمح والشعير، لكن لا جدال أن الأسر محدودة الدخل تعاني الأمرين نتيجة ارتفاع الأسعار حيث إن المواد الغذائية تشكل نسبة اكبر من إجمالي إنفاقها.
لماذا ارتفعت أسعار المواد الغذائية؟
أسعار المواد الغذائية الأعلى في السعودية نتاج طبيعي لارتفاع أسعار عالمياً الذي انعكس على أسعار المواد الغذائية في كافة الدول. فقد بلغ التضخم في أسعار المواد الغذائية في الولايات المتحدة 5.9بالمائة في فبراير هذا العام وهو أعلى مستوى له طيلة 26عاماً، كما بلغ 6بالمائة في بريطانيا في أبريل و 18.6بالمائة في الصين في أغسطس. كما ساهمت بعض العوامل المحلية في الإضافة للضغوط التضخمية لكن أثرها كان محدوداً حيث أن اتجاهات أسعار الأغذية الحالية في السعودية لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في بقية دول المنطقة، وتشير آخر البيانات إلى بلوغ التضخم في أسعار الأغذية 5.6بالمائة في الكويت والإمارات و 7.5بالمائة في دولة قطر.
كما قفزت أسعار العديد من المواد الغذائية الرئيسية عالمياً في الفترة الأخيرة، حيث ارتفع مؤشر المواد الغذائية لصندوق النقد الدولي (والذي يشمل الحبوب والزيوت النباتية واللحوم والأطعمة البحرية والسكر والموز والبرتقال) إلى 29بالمائة منذ بداية عام 2004.كما ارتفع مؤشر المشروبات (الذي يضم القهوة والشاي والكاكاو) بما وراء الارتفاع في أسعار السلع الزراعية على المستوى العالمي:
التحور في الأنماط الاستهلاكية: ارتفاع مستويات الدخل في الصين والهند تسبب في تغيرات كبيرة في الأنماط الغذائية العالمية، حيث تتغير العادات الغذائية للأفراد بارتفاع مستويات الدخل ويتم تعزيز أو حتى استبدال الأطعمة الشعبية بتلك التي تحتوي على نسبة أعلى من البروتينات،
وحالياً يرتفع متوسط دخل الفرد بمعدل سنوي يبلغ 7بالمائة في الهند وحوالي 10بالمائة في الصين مما تسبب في إطلاق موجة الطلب العالي على اللحوم والبيض والحليب (حالياً ينمو الطلب على لحوم الأبقار والدواجن بمعدل سنوي يبلغ 20بالمائة). وبأخذ إجمالي السكان في هذين البلدين البالغ 2.5بليون نسمة في الاعتبار (ما يربو على ثلث سكان العالم) نجد أن للتغيرات التي تجري في الصين والهند آثار هائلة على أسعار السلع الغذائية عالمياً وعلى أسعار المنتجات الأخرى (يشكل النمو الاقتصادي في تلك الدول أحد العوامل الرئيسية خلف الطفرة في أسعار النفط طيلة الأعوام الأربعة الماضية).
ويعتبر التغير في أنماط الاستهلاك في الهند مسؤولاً لحد كبير عن الزيادة الحادة في أسعار الأرز في السعودية، فقد لجأ المستهلكين في الهند لاستبدال الأنواع الأرخص والأقل جودة بنوعية أرز البسمتي تمشياً مع ارتفاع مستويات الدخل لديهم، في الوقت الذي أدى فيه تزامن ما سبق مع التراجع الطفيف في الإنتاج وتزايد حالة الشح في المخزون (مخزونات الأرز العالمية عند أدنى مستوى لها منذ 30عاماً) إلى ارتفاع الأسعار. وقد ارتفعت تكلفة الأرز البسمتي في الهند بمعدل 30بالمائة منذ ديسمبر الماضي. كما أدى تراجع الريال بواقع 9بالمائة مقابل الروبية الهندية خلال نفس الفترة إلى ارتفاع السعر الذي يدفعه المستهلك السعودي (معظم الأرز البسمتي المعروض للبيع في السعودية مستورد من الهند). كما أدى التخوف من عدم توفر الإمدادات من البسمتي الهندي إلى دفع أسعار أوامر الشراء المستقبلية بواسطة دول الاتحاد الأوروبي بواقع 90بالمائة هذا العام. ومن المحتمل ان المستوردين في السعودية قد لجأوا أيضاً إلى دفع علاوة من أجل تأمين الإمدادات. استخدام المحاصيل الزراعية في إنتاج الطاقة: أسعار النفط المرتفعة والمخاوف حيال تلوث البيئة وسعي الولايات المتحدة لتأمين استقلال الطاقة شجعت على تطوير مصادر بديلة للطاقة إحداها مادة الإيثانول. ويتم إنتاج الإيثاونول بواسطة تخمر المحاصيل مشتملة على قصب السكر والذرة والقمح. وتمثل الذرة (الشامي) أحد أكثر المحاصيل كفاءة في تصنيع الإيثانول في الولايات المتحدة، وفي ضوء تشجيع إنتاجه بواسطة الحكومة الأمريكية فقد تضاعفت المساحة المزروعة ذرةً بواقع ثلاثة أضعاف منذ عام
2000.وقد عملت هذه التطورات على انخفاض كمية المعروض من الذرة المتوفرة للاستخدامات الأخرى متسببة في ارتفاع أسعارها في السوق الأمريكي بواقع الضعفين خلال العام الماضي وإلى ارتفاع أسعارها عالمياً بواقع 50بالمائة خلال العامين المنتهين في أغسطس 2007.وقد انعكس ذلك بصورة واضحة على أسعار طيف واسع من السلع تشتمل على خبز التورتيلا المكسيكي والمعجنات الإيطالية والجعة الألمانية حيث تدخل الذرة كمكون أساسي في تصنيع كل منها. كما تمثل الذرة عنصراً هاماً في صناعة الأعلاف الحيوانية. وتتسبب أسعار الأعلاف المرتفعة في ارتفاع تكلفة الإنتاج على المزارعين مما يضطرهم بالتالي إلى رفع أسعار اللحوم والدواجن ومنتجاتها الأخرى مثل (البيض) إضافة إلى ذلك، وفي سياق سعيهم لإنتاج الإيثانول، لجأ المزارعون إلى خفض إنتاجهم من المحاصيل الأخرى مما تسبب في خلق حالات شح أخرى وغلاء في الأسعار.
الظروف الزراعية السيئة: الإنتاج الزراعي معرض لمخاطر تقلبات الطقس التي تسبب عندما تسوء في تراجع الغلة وارتفاع الأسعار. وقد شهدت الأعوام الأخيرة أحوالاً مناخية رديئة على نحو غير عادي في الدول الزراعية الرئيسية. فقد شهدت أستراليا على وجه الخصوص أسوأ موجة جفاف تتعرض لها طيلة قرن كامل في عام 2006متسببة في تراجع إنتاجها من القمح والشعير بواقع النصف مما زاد من حدة حالة الشح العالمية المتردية في أوربا وأجزاء من أمريكا الشمالية من أحول مناخية رديئة في السنوات الأخيرة مما اثر في إنتاج أنواع أخرى من المنتجات الزراعية مثل البطاطس والجذر. وحتى إذا لم يتأثر الإنتاج في الأسواق الرئيسية التي تستورد منها السعودية بصورة مباشرة من أحوال الطقس فإن من شان الطلب من القوي من الدول الأخرى التي تسعى لتعويض الشح في الإمدادات بسبب عوامل الطقس أن تسبب في ارتفاع الأسعار التي يدفعها المستورد السعودي.
ولا تقتصر التطورات فقط على التغير في الأحوال المناخية العالمية، حيث إن الكثير من السلع الخام "مثل الحبوب والفاكهة واللحوم" تعتبر مكونات رئيسية لمعظم المنتجات الغذائية المتوفرة في منافذ التجزئة السعودية رغم أنها لا تشكل إلا نسبة صغيرة من السعر النهائي في اغلب الأحيان، حيث يتطلب الأمر إضافة تكاليف الإعداد والتعبئة و التسويق و التوزيع قبل إيصال المنتج إلى المستهلك النهائي. ولا يبدو أن العناصر الثالثة قد شهدت أي اختلاف، لكن اثنتين منها عملت على رفع تكلفة المنتجات المستوردة.
تكاليف النقل المرتفعة: الأحوال الزراعية السيئة محلياً تعني أن على السعودية أن تستورد الكثير من المنتجات الغذائية من أسواق بعيدة في معظم الأحيان، حيث تعتبر استراليا ونيوزيلاندا أهم مصادر الشعير والجبن، ويأتي معظم لحوم الأبقار والدواجن المجمدة في البرازيل ويأتي التفاح من تشيلي. وقد ارتفعت القفزة الكبيرة في أسعار النفط " 140بالمائة منذ عام 2004" من تكاليف الشحن وبالتالي الأسعار تدفعها السعودية مقابل السلع المستوردة. ضعف سعر الصرف: تزامن ارتفاع أسعار المواد الغذائية مع فترة يشهد فيها الدولار تدهوراً في قيمته والتي تسبب في ارتفاع قيمة السلع المستوردة غير المسعرة بالدولار نتيجة ربط سعر صرف الريال مع الدولار الأمريكي. ويستخدم الدولار في تسعير معظم تجارة السلع الزراعية العالمية بيد أن العديد من المنتجات النهائية المعروضة في منافذ التجزئة مسعرة بعملات أخرى. وقد ظلت عملات دول المنطقة التي تستورد السعودية منها مستقرة لحد كبير مقابل الريال، لكن قيمة اليورو تراجعت بمعدل 36بالمائة منذ نهاية عام 2002بينما تراجعت قيمة الدولار الاسترالي بواقع 53بالمائة. ورغم قناعتنا بأن تجار التجزئة قد لجاءوا إلى امتصاص معظم الزيادة في التكاليف حتى الآن من خلال تقليص هوامش أرباحهم، إلا أن الضعف في سعر الصرف ساهم في رفع أسعار المواد الغذائية. ولا تتوفر بيانات يمكن استخدمها في عزل أثر ضعف سعر الصرف في تضخم أسعار الأغذية، لكن بالنظر إلى التغيرات في أسعار السلع العالمية لا نعتقد أنها تشكل عامل أساسياً.
كما تضافرت العوامل المحلية والإقليمية التالية لتشكل ضغوطاً تضخمية على أسعار المواد الغذائية في المملكة:تخفيض مستويات الدعم: تم تقليص المساعدات التي تقدمها الدولة للمزارعين في سياق وفاء المملكة بالالتزامات التي تعهدت بها من اجل الانضمام لمنظمة التجارة. وقد تم تخفيض مستويات الدعم للآليات والمعدات الزراعية و أجهزة الري و المضخات بواقع 50بالمائة في بعض الحالات وذلك في عام 2005.ومن شأن ذلك أن يؤدي لرفع تكلفة المنتجين السعوديين وربما يكون قد أدى بالتالي لرفع الأسعار.
هناك عمليات خفض أخرى في مستويات الدعم قيد الانتظار:
الارتفاع في كلفة المدخَلات الزراعية: ارتفعت أسعار المخصبات الزراعية 14بالمائة خلال الربع الأول هذا العام مقارنة بنفس الفترة في العام الماضي. وكانت الأنباء الصحفية قد أشارت إلى مبررات سابك بأن ارتفاع تكلفة الإنتاج فرض عليها رفع أسعار البيع للمستهلك المحلي.
سؤال الأحوال الجوية: تسببت مواسم الشتاء البارد الأخيرة في خلق حالة من الشح في إنتاج بعض أنواع الفاكهة والخضروات. منال ذلك إنتاج البصل الذي تراجع 20بالمائة عام 2006والبطيخ الذي تراجع 10بالمائة. لكن إنتاج العديد من المنتجات الأخرى قد ارتفع رغم ذلك.
النقص في الأيدي العاملة في القطاع الزراعي: الطلب العالي على العاملة الأجنبية في كافة قطاعات الاقتصاد (خصوصاً البناء والتشييد) اجتذب أعداداً كبيرة من العاملة الزراعية متسبباً في رفع تكاليف الإنتاج.
أنفلونزا الطيور: المخاوف من أنفلونزا الطيور أدت إلى ارتفاع أسعار الأسماك والدواجن المستوردة. وكانت الدولة قد لجأت إلى حظر استيراد الدواجن من 42دولة تحوطاً من انتشار أنفلونزا الطيور في آسيا عام 2004مما دفع بالموردين إلى اللجوء إلى الأسواق الأكثر كلفة. وقد تم رفع الحظر عن تلك الدول في فبراير من العام الجاري. إضافة لما تقدم، فقد تأثر الطلب في كل المنطقة على لحوم الدواجن بسبب المخاوف من أثار استهلاكها.
أسعار المواد الغذائية والتضخم
اتجاهات أسعار المواد الغذائية لها تأثير كبير على مستوى التضخم الشامل في المملكة، حيث تحتل المشتريات من المأكولات والمشروبات أكبر نسبة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي لذا تمثل أكبر وزن نسبي في مؤشر تكلفة المعيشة ( 26بالمائة). لكن أسعار المواد الغذائية لا تعتبر دليلاً جيداً في رصد التضخم في بقية القطاعات الاقتصادية كما أن السياسة الرسمية حيال التضخم لا تتحدد بارتفاع أسعار المواد الغذائية. وتود التنويه في هذا التقرير إلى التغير في أسعار المواد الغذائية يعزى بصورة أساسية إلى ارتفاع أسعار السلع العالمية وأحوال الطقس وهي عوامل خارجة عن سيطرة الدولة. إضافة لذلك. لا تنعكس أسعار المواد الغذائية على التضخم في قطاعات الاقتصاد الأخرى خلاف الإيجار على سبيل المثال (الإيجارات المرتفعة ترفع تكلفة تحار التجزئة الذين قد يعكسونها بدورهم على المستهلك في هيئة أسعار أعلى حتى إذا لم ترتفع تكلفة السلع المخصصة للبيع). وتستخدم العيد من الدول مؤشر "التضخم الأساسي" الذي يستبعد أسعار المواد الغذائية في تحديد سياسة الدولة تجاه التضخم. والتضخم باستثناء أسعار المواد الغذائية جاء سالباً حتى أوائل عام 2006لكنه شرع في الارتفاع عقب ارتفاع الإيجارات. وقد تم توجيه كثير من النقد إلى نجار التجزئة على دورهم في ارتفاع الأسعار بل حتى اتهموا بأنهم عمدوا إلى رفع الأسعار بأعلى من مستوى ارتفاع تكلفتهم. كلن إذا القينا نظرة على قائمة الدخل للشركات التي تمارس نشاط تجارة التجزئة / الجملة في المواد الغذائية والمدرجة في سوق الأسهم المحلي (عسير، صافولا، تمار، المراعي، الحكير) لا نرى أي مؤشرات توحي بارتفاع غير عادي في صافي دخلها تعزز ذلك الرأي. ولا شك أن المنافسة من متاجر الهايبرماركت التي تم افتتاحها مؤخرا (مثل جايانت وكارفور) شكلت أحد العوامل التي حافظت على الأسعار قيد السيطرة في المدن الكبيرة. الفرق في سرعة ارتفاع أسعار التجزئة مقارنة بالسرعة ارتفاع أسعار الجملة من المؤشرات التي تستخدم في تحديد عما إذا كان تجار التجزئة قد ضخموا من أسعارهم بصورة غير عادلة أم لا. وقد ارتفعت أسعار التجزئة بأعلى من مستوى أسعار الجملة حتى منتصف عام 2004عندما شرعت العلاقة في الانهيار. أما خلال فترة الثلاثة أعوام التالية فقد ارتفعت أسعار التجزئة بمعدل يقل عن أسعار الجملة، لذا لا نعتقد أن تجار التجزئة كانوا السبب الرئيسي وراء الغلاء الحالي في أسعار السلع الاستهلاكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.