في سنة 1926م ناقش الدكتور عبدالرزاق السنهوري رسالته الثانية للدكتوراه في جامعة ليون الفرنسية، قسم العلوم السياسية، وكانت بعنوان: «الخلافة وتطورها لتكون عصبة أمم شرقية»، وقد أصبح الدكتور السنهوري فيما بعد واحداً من أبرز فقهاء القانون المدني في مصر والعالم العربي. في هذه الرسالة، لفت الدكتور السنهوري النظر لفكرة الإجماع من جهة علاقتها بنظام الحكم النيابي، وهذه أطروحة في غاية الأهمية، وفي غاية الحداثة أيضاً، وتكشف عن منحى جديد في النظر لفكرة الإجماع في مجال أصول الفقه. وعند النظر في هذه الأطروحة، يمكن القول إنها ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية، هي: أولا: الإجماع ونظرية السيادة في الإسلام، ولج الدكتور السنهوري لفكرة الإجماع من الحديث عن نظرية السيادة في الإسلام، ومن هذه الجهة يرى أن سيادة الأمة هي سيادة الشريعة، وأن الله استخلفنا في الأرض، ومنحنا شرف خلافته بأن اعتبر إرادة الأمة مستمدة من إرادة الله، وجعل إجماع الأمة شريعة ملزمة، وبعد انقطاع الوحي أصبحت السيادة الإلهية، والحق في التشريع وديعة في يد مجموع الأمة. ثانياً: الإجماع وعنصر المرونة والتطور في أحكام الشريعة، يرى الدكتور السنهوري أن وجود الإجماع كمصدر للتشريع الإسلامي، كان أمراً ضرورياً، لأن القرآن والسنة وهما المصدران الأولان للشريعة، قد أخذا صورة نهائية في فترة قصيرة انتهت بوفاة النبي صلى الله عليه وآله، في حين أن الشريعة يجب أن تبقى بعد ذلك في نمو مستمر، وتطور متواصل. الوضع الذي استلزم وجود مصدر ثالث دائم يدخل عنصر المرونة والتطور في أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا المصدر هو الإجماع الذي يمكنه التطور الدائم مع تقدم العصور، وتغير الظروف، وأن يسد حاجات المجتمع الإسلامي إلى أحكام جديدة. والإجماع من هذه الجهة، هو أداة فنية ضرورية لصياغة أحكام الشريعة، وتقنينها ونموها وملاءمتها مع حاجات المجتمع وظروفه. ثالثاً: الإجماع والعلاقة بالشورى والنظام النيابي، يرى الدكتور السنهوري أن أهمية الإجماع كمصدر للتشريع، تزداد إذا لاحظنا أنه كالشورى يعتبر أساساً للنظام النيابي في الإسلام، الأمر الذي يستدعي في نظر السنهوري البحث عن دور الإجماع في نظام الحكم الإسلامي، وعلاقته بمبدأ الشورى والنظام النيابي. وفي تقدير الدكتور السنهوري أن الإجماع لكي يواصل تطوره ويقوم بوظيفته، لا بد له من خطوتين، هما: الخطوة الأولى: تنظيم الأداة العملية للإجماع بطريقة المداولة في مجلس شورى. الخطوة الثانية: اتخاذ الإجماع أساساً للنظام النيابي في الحكم الإسلامي، وهذه الفكرة ليست غريبة عن المبادئ التي أشارت لها كتب الفقهاء الأقدمين. وفي ختام حديثه، أشار الدكتور السنهوري إلى تساؤل المستشرق المجري جولد زيهر عما يمكن أن يؤدي إليه تطبيق الإجماع في المستقبل؟ وأجاب السنهوري بقوله: إن تطبيق الإجماع سينتج عنه نظام حكم نيابي إسلامي. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ