يحمل المجلس في الحياة العربية معاني كثيرة ودلالات جميلة إذ إنه يرتبط بثقافة الإنسان العربي ويشكل شيئا أساسيا في الراهن اليومي في حياتهم ومعيشتهم، ولأن المجلس كذلك كان لزاما أن يتحول إلى حالة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية وأن يكون منبرا للحوار البناء والنقاش المثمر والأسئلة المحرضة على العمل والإنتاج وفهم ما يجري على ألسنة الناس وفي داخل المجتمع والاستماع إلى النخبة المثقفة من كتاب وأدباء وأساتذة جامعات. وفي كتاب أسبوعيات المجلس 1432ه وهو الإصدار التوثيقي للرؤى والأفكار التي تطرح في أسبوعيات مجلس صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة تكريس لمفهوم المجلس بحيث يتحول هذا المجلس إلى منتدى رأي وحوار وفتح آفاق واسعة على قضايا ومسائل المجتمع وتحديدا ما يخص منطقة مكةالمكرمة وقضاياها ومشاكلها والمسائل المتعلقة براهن ومستقبل هذه المنطقة التي تمثل قيمة حضارية ودينية وروحية واقتصادية واجتماعية، وبصفتها المنطقة التي تحمل اسم القبلة الأولى للمسلمين في كل أنحاء الأرض.. إنها مكةالمكرمة. يقول الأمير خالد الفيصل في مقدمة «أسبوعيات المجلس»: المجالس العامة هي سنة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله لتكون قناة للتواصل المباشر بين المواطن والمسؤول وهذه سنة حميدة وهي ميزة من مزايا هذا الوطن وهذا الشعب وهذه الحكومة وهذه الدولة. إن هذه المجالس تعمل بها جميع إمارات المناطق حيث يلتقي فيها الأمراء بالمواطنين للاستماع إلى آرائهم ومشكلاتهم ويتواصلون مع إخوانهم وأبنائهم. بدأت هذه المجالس في مدينة أبها منذ أن كنت في منطقة عسير وأسميناها أسبوعيات المجلس لأنها وسيلة جميلة لتبادل الآراء. ويضيف الأمير خالد الفيصل في هذه الإضاءة عن المجلس قائلا: وحينما جئت مكة بدأت في مجالس شهرية بنفس الاسم وتضم جميع شرائح المجتمع وهي تتضمن مجلسا للقضاة والدعاة وأئمة المساجد في أول أحد من كل شهر. يليه مجلس آخر في الأحد الثاني من كل شهر يضم رجال التعليم من الجامعات وإدارات التعليم والمثقفين وأعضاء الأندية الثقافية ورجال الإعلام. فيما يستقبل المجلس في الأحد الثالث رجال الأعمال. بينما يستضيف شيوخ القبائل في الأحد الرابع والأخير من كل شهر وكذلك مجالس الإدارات الحكومية العاملة بالمنطقة. ويختتم الأمير خالد الفيصل في الكلمات الأخيرة قائلا: في هذه المجالس كل من يطلب الكلمة تعطى له ليبدي رأيه حول موضوع يتفق عليه في الجلسة السابقة، وجميع الكلمات والملاحظات والمداخلات تسجل بهدف التوثيق والاستفادة. في هذا الكتاب الذي يحمل أفكار ورؤى رواد مجلس الأمير خالد الفيصل جلسات رجال الأعمال وجلسات مع الأئمة والخطباء والمشايخ والدعاة وجلسات الأدباء والمثقفين ورجال التعليم والإعلاميين ثم جلسات الشباب وجلسات شيوخ القبائل وأخيرا جلسات مديري الإدارات والأجهزة الحكومية فالجلسة الختامية التي انطلق منها مشروع مراكز الأحياء العام والذي يجسد بناء الإنسان.. في لقائه رجال الأعمال في الجلسة الأولى 17/3/1432ه قال خالد الفيصل: أتعهد ببذل الغالي والنفيس لخدمة أهالي جدة وبأن تكون غير بوجهها الحضاري فيما رأى ضرورة تغيير أسلوب التفكير ليكون موافقا الحاجة للتفكير بطريقة عصرية لحل المشكلات بدلا من الطرق التقليدية المعمول بها.. وفي الحوارات طرح رجال الأعمال عدة أسئلة تثير قضايا السعودة ووضع خطط جديدة ومبادرات للتوظيف وحل قضية السعودة والتوجه إلى تأسيس صندوق للتنمية الاجتماعية.. وفي الجلسة الثانية مع رجال الأعمال في 15/4/1432ه خاطب الأمير خالد الفيصل رجال الأعمال بلغة واضحة «ما زلت أنتظر دوركم وأفكاركم في تنمية الإنسان.. وما وصلني.. مشاريع شخصية» وفي هذه الجلسة طرحت عدة أفكار ومقترحات ولكن كان أهمها هو «تأطير العمل المؤسسي» ومحاولة تغيير الأنظمة ومن ثم تطوير هذه الأنظمة واعتماد مطار الطائف. في الجلسة الثالثة 19/6/1432ه قال الأمير خالد الفيصل: إن الشباب اتسعت رؤاه وآفاقه وشيوخ القبائل أكثر إدراكا للقضايا. فيما رأى أن أفكار المثقفين تنظيرية وقال «نحن نعيش في عصر مختلف تماما عما نظن أننا نعيش فيه حتى موضوع التعفف عن بعض المهن لم يعد موجودا الآن. يجب أن ندرك أن المجتمع كله مثقف ووسائل الإعلام وفرت الثقافة ومعرفة الواقع للجميع». والأفكار التي تم طرحها في هذه الجلسة تدور حول البطالة السلوكية نتيجة نظرة الشباب الدونية للمهنة.. وأهمية تنمية الفرد.. وغيرها من الأفكار. في جلسات «الأئمة والخطباء» وفي حوار الأئمة والخطباء قضايا كثيرة أثيرت وقد قال الأمير خالد الفيصل في عنوان عريض في أسبوعيات المجلس «لا أرى مدير إدارة أو وكيل وزارة أو حتى وزيرا يحمل على عاتقه مسؤولية أكبر ممن يعتلي المنبر في المسجد» وفي مداخلة في هذا اللقاء قال الشيخ سعود الشريم: الخطابة في حقيقتها هي نيابة عن ولي الأمر فكل خطيب هو نائب عن ولي الأمر. فيما رأى الشيخ عبدالله فدعق: ملامح الأزمة في وجود تعبئة عامة وشحن نفسي بسبب اجتهادات عفوية. غير أن الأمير خالد الفيصل وبعد نقاش طويل حول واقع الخطاب الديني في بلادنا ودور الأئمة والمشايخ قال «إن الشباب يعيشون في عالم غير العالم الذي نعيش فيه، عالمهم في الإنترنت أوسع مليون مرة من عالمنا».. وفي الجلسات الأخرى مع الخطباء والمشايخ أثيرت مسألة التوجه للشباب بالحكمة والليونة وأهمية إبراز الجانب الحضاري للإسلام للعالم وعدم إظهاره كدين متخلف. في الجلسات التي كانت محاورها وأفكارها من قِبَل ومع الأدباء والمثقفين ورجال التعليم طرحت عدة قضايا ومسائل تتعلق براهن التعليم ومستقبله والشأن الثقافي. لقد رأى الأمير خالد الفيصل «أن صاحب البيت العشوائي حتى ولو لم يملكه فسيتم تمليكه هذه الأرض عند تطوير الحي، ونحن مسؤولون عن إخراج صك له بعد تهذيب الحي وتخطيطه وتنفيذ المشاريع، والأمر لن يطبق على سكان المزرعة أو الاستراحة». وفي مداخلات مع نخبة من الكتاب والأدباء والإعلاميين ورجال التربية والتعليم تركزت المحاورة حول إنهاء التشدد في المدارس وأهمية توفير الدراسات بشأن الأحياء العشوائية إضافة إلى ضرورة إيجاد هوية للجامعات في المرحلة المقبلة من أجل أن توائم سوق العمل، فيما رأى كاتب ضرورة إيجاد مكتبة وطنية في جدة وكذلك مسرح للشباب. الحوار مع رجال الفكر والثقافة والتعليم وفي كل الجلسات الثلاث تركز حول مستقبل جدة الثقافي والمعرفي والتربوي، وقد دعا الأمير خالد الفيصل إلى مشروع بناء الإنسان يكون هذا المشروع موازيا تماما لتنمية المكان. ثمة من رأى بأن تقنية المعلومات هي بوابة الوطن إلى المستقبل وهناك رأي يرى بمحاكاة التجربة اليابانية ودعم الموهوبين في الحوارات مع الشباب التي كانت محور جلسات تركز المحاور حول بناء الإنسان وتهيئة الإنسان للمستقبل وأن بناء الإنسان أهم من بناء البنى التحتية مع الاتجاه إلى بناء مكتبة شبابية ومجلس جامعي وتطوير تقنيات التعليم. قال الأمير خالد الفيصل للشباب: إن العالم الأول هو مجتمع قيم وأخلاق وعمل وقال: إن مجلس الشباب يكمل منظومة المجالس في المنطقة وقال: أطمح لتأسيس غرفة عمليات لمعالجة المشكلات.. وفي حواره مع شيوخ القبائل طالبهم بغرس حب الدين والانتماء للوطن في نفوس الشباب ومحاربة العصبيات وأن الوعي بقداسة المكان وشرف المسؤولية هو المطلب الرئيس الذي يؤكد أن السعوديين أسرة واحدة.. وشدد الحوار مع شيوخ القبائل على محاربة العصبية القبلية. خلاصة أسبوعيات المجلس تركز على أن ثقافة المجلس هي ثقافة سعودية بامتياز بصفتها ثقافة عربية تدخل في صميم الحياة العربية وتؤسس لقيم كانت تشكل وما زالت شيئا أساسيا من أدبيات واقع المجتمع السعودي بكل أطيافه وطبقاته وشرائحه من القرية إلى المدينة.